فإن ذلك يتبع عقيدة المنادي ونيته، فإن كانت نيته عبادتهم والعياذ بالله، فهو شرك أو كفر! أما إذا كان غرضه التوسل بهم إلى الله تعالى، كما هو عقيدة الشيعة وعامة المتوسلين المستغيثين من المسلمين، والمتبادر إلى أذهان عوامهم فضلا عن علمائهم، فهو عبادة لله تعالى وتوسل إليه بالنبي وآله، الذين شرع التوسل بهم، صلوات الله عليهم.
وسيأتي أن الاستعانة والاستغاثة كالتوسل والاستشفاع وبقية ألفاظ التوسيط، معنى وحكما.
المسألة الثانية: التوسل في الأديان السابقة هل كان مبدأ التوسل والاستشفاع إلى الله تعالى بالأعمال والأشخاص موجودا في الدين الإلهي قبل الإسلام؟
والجواب بالإيجاب، لأن قوله تعالى في آخر سورة نزلت من القرآن:
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون - المائدة 35 ليس دعوة إلى سنة جديدة، بل إلى سنته سبحانه في الأديان السابقة.
ولذلك أبقى الوسيلة مطلقة ولم يبينها، لأنها معهودة في أذهان المتدينين بأنها التوسل إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة وبرسله وأوصيائهم، وبذلك تكون الآية إذنا للمسلمين بأن يتوسلوا إليه بأعمالهم وبنبيه وأوصيائه، كما كانت السنة في الأديان السابقة.
فإن قلت:
ما دام الإسلام جاء بمبدأ الواسطة بين الله وعباده، وأمر به، فلماذا كل هذا الانكار في القرآن والحديث على المشركين الذين اتخذوا آلهتهم ومعبوديهم وسائط بينهم وبين الله تعالى؟ وماذا يصير الفرق بينهم وبين المؤمنين؟!