وأمدهم بالأموال والأعمار، وأتتهم الأرض ببركاتها ليذكروا آلاء الله، وليعرفوا الإهابة له، والإنابة إليه، ولينتهوا عن الاستكبار، فلما بلغوا المدة، واستتموا الأكلة أخذهم الله عز وجل واصطلمهم، فمنهم من حصب، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من أحرقته الظلة، ومنهم من أودته الرجفة، ومنهم من أردته الخسفة: وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
ألا وإن لكل أجل كتابا، فإذا بلغ الكتاب أجله لو كشف لك عما هوى إليه الظالمون، وآل إليه الأخسرون، لهربت إلى الله عز وجل مما هم عليه مقيمون، وإليه صائرون.
ألا وإني فيكم أيها الناس كهارون في آل فرعون، وكباب حطة في بني إسرائيل، وكسفينة نوح في قوم نوح. إني النبأ العظيم، والصديق الأكبر، وعن قليل ستعلمون ما توعدون، وهل هي إلا كلعقة الآكل ومذقة الشارب، وخفقة الوسنان، ثم تلزمهم المعرات خزيا في الدنيا، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب، وما الله بغافل عما يعملون.
فما جزاء من تنكب محجته، وأنكر حجته، وخالف هداته، وحاد عن نوره، واقتحم في ظلمه، واستبدل بالماء السراب، وبالنعيم العذاب، وبالفوز الشقاء، وبالسراء الضراء، وبالسعة الضنك، إلا جزاء اقترافه وسوء خلافه، فليوقنوا بالوعد على حقيقته، وليستيقنوا بما يوعدون: يوم تأتي الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج. إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير. يوم تشقق الأرض عنهم سراعا... إلى آخر السورة.
العلاقة بين التوسل والاستشفاع وبين درجة الوسيلة في الجنة لا بد أن يكون اسم (الوسيلة) لتلك المنطقة والدرجة العالية من الجنة، بسبب أنها مسكن أقرب المخلوقات وسيلة إلى الله تعالى.
وبذلك تكون الشفاعة التي يعطاها النبي (صلى الله عليه وآله)، نوعا من الوسيلة، التي استحقها لأنه أقرب الناس إلى الله (صلى الله عليه وآله)، واستحق معها مسكن الفردوس والوسيلة، أعلى مراتب الجنة.