الحمد لله والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد الأولين والآخرين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فمسألة الاستغاثة بالأموات والغائبين من الأنبياء والأولياء والصالحين من المسائل التي كثر فيها النزاع في العصور المتأخرة بين مانع يراها ضربا من الشرك والوثنية، ومبيح يراها من أفضل القرب لدى رب البرية.
ولا شك أن القرآن الكريم لم يغفل هذه القضية، ولم يسكت عن بيان حكم هذه البلية، كيف وغاية مقصده بيان التوحيد ودعوة الناس إليه، وكشف الشرك وتنفير الناس منه؟!
وعامة من ضل في هذا الباب إنما أتي من قبل إعراضه عن نور القرآن، وإقباله على ذبالات الأذهان، وخرافات الأحبار والرهبان، المعتمدين على منطق اليونان.
وهذا بحث مختصر ليس لي فيه إلا جمع الأقوال وترتيب النقول، وقد استخرت الله تعالى في نشره، فعسى أن ينفع الله به كاتبه وقارئه، وأن يجعله ذخرا لي يوم الحساب.
وقبل الشروع في مقصود البحث لا بد من عرض مقدمات ضرورية أرى التقصير في عرضها سببا لاتساع رقعة الخلاف وكثرة القيل والقال. وإذا ما اتفق الجميع على هذه المقدمات أمكن الاتفاق على المسألة محل النزاع.
المسألة الأولى:
هل كان المشركون الأولون مقرين لله بالربوبية؟ هل أثبتوا خالقا ورازقا ومدبرا لهذا الكون غير الله رب البرية؟
وسيتفرع عن هذه المسألة مسائل تذكر تباعا إن شاء الله.
والذي يدفعني إلى إثارة هذه القضية التي تبدو من البدهيات الواضحات أني رأيت بعض من كتب في مسألة الاستغاثة ينكر هذه القضية، ويزعم أن المشركين لم يفردوا الله بالخالقية والرازقية. وهذا مثال من أقوال المخالفين: