وقد أنتجت الأبحاث السابقة أن الأديان أيما كانت من حق أو باطل تستعمل تربية الناس وسوقهم إلى السعادة التي تعدهم إياها، وتدعوهم إليها إصلاح النفس وتهذيبها إصلاحا وتهذيبا يناسب المطلوب. وأين هذا من كون عرفان النفس هو الدين.
فالدين يدعو إلى عبادة الإله سبحانه من غير واسطة، أو بواسطة الشفعاء والشركاء ، لأن فيها السعادة الإنسانية والحياة الطيبة التي ولولا بغية للإنسان دونها، ولا ينالها الإنسان ولن ينالها إلا بنفس طاهرة مطهرة من ألواث التعلق بالماديات والتمتعات المرسلة الحيوانية، فمست الحاجة إلى أن يدرج في أجزاء دعوته إصلاح النفس وتطهيرها ليستعد المنتحل به المتربي في حجره للتلبس بالخير والسعادة ولا يكون كمن يتناول الشئ بإحدى يديه ويدفعه بالأخرى.
فالدين أمر وعرفان النفس أمر آخر وراءه وإن استلزم الدين العرفان نوعا من الاستلزام.
وبنظير البيان يتبين أن طرق الرياضة والمجاهدة المسلوكة لمقاصد متنوعة غريبة عن العادة أيضا غير عرفان النفس وإن ارتبط البعض بالبعض نحوا من الارتباط.
نعم لنا أن نقضي بأمر وهو: إن عرفان النفس بأي طريق من الطرق فرض السلوك إليه إنما هو أمر مأخوذ من الدين، كما أن البحث البالغ الحر يعطي أن الأديان على اختلافها وتشتتها إنما انشعبت هذه الانشعابات من دين واحد عريق تدعو إليه الفطرة الإنسانية وهو دين التوحيد.
فإنا إذا راجعنا فطرتنا الساذجة بالإغماض عن التعصبات الطارئة علينا بالوراثة من أسلافنا أو بالسراية من أمثالنا لم نرتب في أن العالم على وحدته في كثرته وارتباط أجزائه في عين تشتتها، ينتهي إلى سبب واحد فوق الأسباب وهو الحق الذي يجب الخضوع لجانبه، وترتيب السلوك الحيوي على حسب تدبيره وتربيته، وهو الدين المبني على التوحيد.