الحروف والكواكب وغيرها، وأصحاب الإحضار وتسخير النفوس، فلكل منهم ارتياضات نفسية خاصة تنتج نوعا من السلطة على أمر النفس.
وجملة الأمر على ما يتحصل من جميع ما مر: أن الوجهة الأخيرة لجميع أرباب الأديان والمذاهب والأعمال هو تهذيب النفس بترك هواها والاشتغال بتطهيرها من شوب الأخلاق والأحوال غير المناسبة للمطلوب.
لعلك ترجع وتقول إن الذي ثبت من سنن أرباب المذاهب والطرق وسيرهم هو الزهد في الدنيا وهو غير مسألة معرفة النفس أو الاشتغال بأمر النفس بالمعنى الذي تقدم البحث عنه. وبلفظ أوضح: الذي يندب إليه الأديان والمذاهب التي تدعو إلى العبودية بنحو أن يتزهد الإنسان نوع تزهد في الدنيا بإتيان الأعمال الصالحة وترك الهوى والآثام ورذائل الأخلاق ليتهيأ بذلك لأحسن الجزاء، إما في الآخرة كما تصرح به الأديان النبوية كاليهودية والنصرانية والإسلام، أو في الدنيا كما استقر عليه دين الوثنية ومذهب التناسخ وغيرهما، فالمتعبد على حسب الدستور الديني يأتي بما ندب إليه من نوع التزهد من غير أن يخطر بباله أن هناك نفسا مجردة وأن لها نوعا من المعرفة فيه سعادتها وكمال وجودها.
وكذلك الواحد من أصحاب الرياضات على اختلاف طرقها وسننها إنما يرتاض بما يرتاض من مشاق الأعمال ولا هم له في ذلك إلا حيازة المقام الموعود فيها والتسلط على نتيجة العمل كنفوذ الإرادة مثلا، وهو في غفلة من أمر النفس المذكور من حين يأخذ في عمله إلى حين يختمه. على أن في هؤلاء من ولولا يرى في النفس إلا أنها أمر مادي طبيعي كالدم أو الروح البخار أو الأجزاء الأصلية، ومن يرى أن النفس جسم لطيف مشاكل للبدن العنصري حال فيه وهو الحامل للحياة، فكيف يسوغ القول بكون الجميع يرومون بذلك أمر معرفة النفس.
لكنه ينبغي لك أن تتذكر ما تقدم ذكره أن الإنسان في جميع هذه المواقف التي يأتي فيها بأعمال تصرف النفس عن الاشتغال بالأمور الخارجية والتمتعات المتفننة