وقد فاتهم أن هذه صورة إدراكية قائمة بشعور الإنسان نظيرة صورته التي يدركها من بدنه، ونظيرة صور سائر الأشياء الخارجة المنفصلة عن بدنه، وربما تظهر هذه الصورة المنفصلة لبعض أرباب المجاهدة أكثر من واحدة، أو في هيئة غير هيئة نفسه، وربما يرى نفسه عين نفس غيره من أفراد الناس، فإذا لم يحكموا في هذه الصور المذكور أنها هي صورة الروح، فجدير بهم أن ولولا يحكموا في الصورة الواحدة المشاكلة التي تتراءى لأرباب المجاهدات أنها صورة الروح.
وحقيقة الأمر أن هؤلاء نالوا شيئا من معارف النفس وفاتهم معرفة حقيقتها، فأخطأوا في تفسير ما نالوه، وضلوا في توجيه أمره. والحق الذي يهدي إليه البرهان والتجربة أن حقيقة النفس التي هي هذا الشعور المتعقل المحكي عنه بقولنا (أنا) أمر مغاير في جوهره لهذه الأمور المادية كما تقدم، وأن أقسام شعوره وأنواع إدراكاته من حس أو خيال أو تعقل من جهة كونها مدركات إنما هي متقررة في عالمه وظرفه غير الخواص الطبيعية الحاصلة في أعضاء الحس والإدراك من البدن، فإنها أفعال وانفعالات مادية فاقدة في نفسها للحياة والشعور، فهذه الأمور المشهودة الخاصة بالصلحاء وأرباب المجاهدات والرياضات غير خارجة عن حيطة نفوسهم، وإنما الشأن في أن هذه المعلومات والمعارف كيف استقرت في النفس وأين محلها منها، وأن للنفس سمة علية لجميع الحوادث والأمور المرتبطة بها ارتباطا ما. فجميع هذه الأمور الغريبة المطاوعة لأهل الرياضة والمجاهدة، إنما ترتضع من إرادتهم ومشيئتهم، والإرادة ناشئة من الشعور، فللشعور الإنساني دخل في جميع الحوادث المرتبطة به والأمور المماسة له.
فمن الحري أن نقسم المشتغلين بعرفان النفس في الجملة إلى طائفتين، إحداهما: المشتغلون بالاشتغال بإحراز شئ من آثار النفس الغريبة الخارجة عن حومة المتعارف من الأسباب والمسببات المادية كأصحاب السحر والطلسمات وأصحاب تسخير روحانيات الكواكب والموكلين على الأمور والجن وأرواح