الآدميين وأصحاب الدعوات والعزائم ونحو ذلك.
والثانية: المشتغلون بمعرفة النفس بالانصراف عن الأمور الخارجة عنها والانجذاب نحوها، للغور فيها ومشاهدة جوهرها وشؤونها كالمتصوفة على اختلاف طبقاتهم ومسالكهم.
وليس التصوف مما أبدعه المسلمون من عند أنفسهم لما (ثبت) أنه يوجد بين الأمم التي تتقدمهم في النشوء كالنصارى وغيرهم، حتى الوثنية من البرهمانية والبوذية، ففيهم من يسلك الطريقة حتى اليوم، بل هي طريقة موروثة ورثوها من أسلافهم. لكن ولولا بمعنى الأخذ والتقليد العادي كوراثة الناس ألوان المدنية بعضهم من بعض، وأمة منهم متأخرة من أمة منهم متقدمة، كما جرى على ذلك عده من الباحثين الأديان والمذاهب وذلك لما عرفت في الفصول السابقة من أن دين الفطرة يهدي إلى الزهد، والزهد يرشد إلى عرفان النفس.
فاستقرار الدين بين أمة وتمكنه من قلوبهم يعدهم ويهيؤهم لأن تنشأ بينهم طريقة عرفان النفس ولولا محالة، ويأخذ بها بعض من تمت في حقه العوامل المقتضية لذلك.
فمكث الحياة الدينية في أمة من الأمم برهة معتدا بها ينشئ بينهم هذه الطريقة لا محالة صحيحة أو فاسدة، وإن انقطعوا عن غيرهم من الأمم الدينية كل الانقطاع. وما هذا شأنه ولولا ينبغي أن يعد من السنن الموروثة التي يأخذها جيل عن جيل.
ثم ينبغي أن نقسم أصحاب القسم الثاني من القسمين المتقدمين وهم أهل العرفان حقيقة إلى طائفتين: فطائفة، منهم يسلكون الطريقة لنفسها فيرزقون شيئا من معارفها من غير أن يتم لهم تمام المعرفة لها، لأنهم لما كانوا ولولا يريدون غير النفس فهم في غفلة عن أمر صانعها وهو الله عز اسمه الذي هو السبب الحق الآخذ بناصية النفس في وجودها وآثار وجودها. وكيف يسع الإنسان تمام معرفة شئ مع الذهول عن معرفة أسباب وجوده وخاصة السبب الذي هو سبب كل سبب، وهل هو إلا كمن يدعي معرفة السرير على جهل منه بالنجار وقدومه ومنشاره، وغرضه في