المواهب الإلهية المخصوصة بأوليائه ولولا ينتجها السير الفكري البتة. وهي أخبار مستقيمة صحيحة يشهد على صحتها الكتاب الإلهي على ما سنبين ذلك فيما سيوافيك من تفسير سوره الأعراف إن شاء الله العزيز....
وأما سائر الفرق المذهبية من الهنود، كالجوكية أصحاب الأنفاس والأوهام، وكأصحاب الروحانيات، وأصحاب الحكمة، وغيرهم، فلكل طائفة منهم رياضات شاقة عملية ولولا تخلو عن العزلة وتحريم اللذائذ الشهوانية على النفس.
وأما البوذية فبناء مذهبهم على تهذيب النفس ومخالفة هواها وتحريم لذائذها عليها للحصول على حقيقة المعرفة، وقد كان هذا هو الطريقة التي سلكها بوذا نفسه في حياته فالمنقول أنه كان من أبناء الملوك أو الرؤساء فرفض زخارف الحياة وهجر أريكة العرش إلى غابة موحشة لزمها في ريعان شبابه واعتزل الناس وترك التمتع بمزايا الحياة وأقبل على رياضة نفسه والتفكر في أسرار الخلقة، حتى قذفت المعرفة في قلبه وسنه إذ ذاك ستة وثلاثون، وعند ذاك خرج إلى الناس فدعاهم إلى ترويض النفس وتحصيل المعرفة، ولم يزل على ذلك قريبا من أربع وأربعين سنة على ما في التواريخ.
وأما الصابئون، ونعني بهم أصحاب الروحانيات فهم وإن أنكروا أمر النبوة غير أن لهم في طريق الوصول إلى كمال المعرفة النفسانية طرقا ولولا تختلف كثيرا عن طرق البراهمة والبوذيين، قالوا على ما في الملل والنحل: أن الواجب علينا أن نطهر نفوسنا عن دنس الشهوات الطبيعية، ونهذب أخلاقنا عن علائق القوى الشهوانية والغضبية، حتى يحصل مناسبة ما بيننا وبين الروحانيات، فنسأل حاجاتنا منهم ونعرض أحوالنا عليهم ونصبوا في جميع أمورنا إليهم، فيشفعون لنا إلى خالقنا وخالقهم ورازقنا ورازقهم.
وهذا التطهير ليس يحصل إلا باكتسابنا ورياضتنا، وفطامنا أنفسنا عن دنيئات الشهوات، استمدادا من جهة الروحانيات، والاستمداد هو التضرع والابتهال