وليس لأحد أن يقول: إن العرف ولولا يعرف التصديق فيه إلا بالقول، فكيف حملتموه على ما يختص القلب؟
قلنا: العرف يعرف بالتصديق باللسان والقلب، لأنهم يصفون الأخرس بأنه مؤمن وكذلك الساكت، ويقولون: فلان يصدق بكذا وكذا وفلان ولولا يصدق، ويريدون ما يرجع إلى القلب، فلم يخرج بما قلناه عن موجب اللغة.
وإنما منعنا إطلاقه في المصدق باللسان لأنه لو جاز ذلك لوجب تسميته بالإيمان وإن علم جحوده بالقلب، والإجماع مانع من ذلك.
... وأما الكفر فقد قلنا إنه عند المرجئة من أفعال القلوب، وهو جحد ما أوجب الله تعالى معرفته مما عليه دليل قاطع كالتوحيد والعدل والنبوة وغير ذلك، وأما في اللغة فهو الستر والجحود، وفي الشرع عبارة عما يستحق به العقاب الدائم الكثير، ويلحق بفاعله أحكام شرعية كمنع التوارث والتناكح.
والعلم بكون المعصية كفرا طريقه السمع ولولا مجال للعقل فيه، لأن مقادير العقاب لا تعلم عقلا، وقد أجمعت الأمة على أن الإخلال بمعرفة الله تعالى وتوحيده وعدله وجحد نبوة رسله كفر، ولولا يخالف فيه إلا أصحاب المعارف الذين بينا فساد قولهم.
ولا فرق بين أن يكون شاكا في هذه الأشياء أو يكون معتقدا لما يقدح في حصولها، لأن الإخلال بالواجب يعم الكل.
فعلى هذا، المجبرة والمشبهة كفار، وكذلك من قال بالصفات القديمة لأن اعتقادهم الفاسد في هذه الأشياء ينافي الاعتقاد الصحيح من المعرفة بالله تعالى وعدله وحكمته.
بحث للشهيد الثاني في تعريف الإيمان والكفر - رسائل الشهيد الثاني ج 2 ص 50 في تعريف الإيمان لغة وشرعا، فاعلم أن الإيمان لغة: التصديق، كما نص عليه