ثم عمد إلى ما شدده فأبطله، وقال: إن اشترى دارا فخاف أن يأخذها الجار بالشفعة، فاشترى سهما من مائة سهم ثم اشترى الباقي، وكان للجار الشفعة في السهم الأول، ولا شفعة له في باقي الدار، وله أن يحتال في ذلك». (1) بيان البخاري:
أراد البخاري بهذا الفرع أن الشفعة شرعت لدفع الضرر عن الشفيع، فالذي يحتال لإسقاطها بمنزلة القاصد إلى الإضرار بالغير.
فمن اعترف بأن الشفعة حق للجار، كيف يحتال لإسقاط هذا الحق؟
رأي الحنفية:
الحنفية تجعل الشفعة حقا للشفيع، ولكن الشريك الذي لم يقاسم أولى منه في هذا الحق، ثم للشريك الذي كان مقاسما، ثم للجار الملاصق، يقدم بعضهم على بعض بهذا الترتيب. (2) وانتقاد البخاري لأهل الرأي ليس لأنهم قد أوجبوا الشفعة للجار، ولكن لأنهم بعد أن أوجبوها له تحيلوا لإسقاطها، لأن المشتري إذا اشترى سهما شائعا من مائة سهم أصبح شريكا للمالك، وأصبحت له الأولوية في شراء باقي المائة، في الوقت الذي لن يطالب فيه أحد بالشفعة في السهم الواحد، لضآلته وقلة الإنتفاع به.
والمعروف أن هذه الحيلة لأبي يوسف، وأنه أخذها من أستاذه أبي حنيفة.
وقال العيني: «لا تناقض أصلا، لأنه لما اشترى سهما صار شريكا لمالكها، ثم إذا اشترى الباقي يصير هو أحق بالشفعة من الجار، لأن استحقاق الجار إنما يكون بعد الشريك» (3)