قيل: أنه وهب داود (عليه السلام) حيث عرضت عليه ذريته أربعين سنة من عمره فلما استوفى أيامه وحانت منيته وانقضت مدة أجله وحم حمامه جاءه ملك الموت يقبض نفسه التي هي وديعة عنده فلم تطب بذلك نفسه وجزع وقال: أن الله عرفني مدة عمري وقد بقيت منه أربعون سنة، فقال: إنك وهبتها ابنك داود فأنكر أن يكون ذلك، قال النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): فجد فجهدت ذريته.
ونوح (عليه السلام) كان أطول الأنبياء، أخبر الله تعالى عنه أنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما فلما دنا أجله قيل له: كيف رأيت الدنيا؟ فقال: كدار ذات بابين دخلت في باب وخرجت من باب. وهذا يدل بمفهومه على أنه لم يرد الموت ولم يؤثر مفارقته.
وإبراهيم (عليه السلام): روي أنه سأل الله تعالى أن لا يميته حتى يسأله (عليه السلام) فلما استكمل أيامه التي قدرت له خرج فرأى ملكا على صورة شيخ فان كبير قد أعجزه الضعف وظهر عليه الخراف " أي فساد العقل من الكبر "، ولعابه يجري على لحيته وطعامه وشرابه يخرجان من سبيله عن غير اختياره، فقال له: يا شيخ كم عمرك؟ فأخبره بعمر يزيد على عمر إبراهيم بسنة، فاسترجع وقال: أنا أصير بعد سنة إلى هذه الحال فسأل الموت. فهؤلاء الأنبياء ممن عرفت شرفهم وعلاء شأنهم وارتفاع مكانهم ومحلهم في الآخرة وقد عرفوا ذلك وأبت طباعهم البشرية إلا الرغبة في الحياة. وفاطمة (عليها السلام) امرأة حديثة عهد بصبي ذات أولاد صغار وبعل كريم لم تقض من الدنيا إربا " أي حاجة " وهي في غضارة عمرها وعنفوان شبابها يعرفها أبوها أنها سريعة اللحاق به فتسلوا موت أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) وتضحك طيبة نفسها بفراق الدنيا وفراق بنيها وبعلها، فرحة بالموت مايلة إليه مستبشرة بهجومه مسترسلة عند قدومه وهذا أمر عظيم لا تحيطه الألسن بصفته ولا تهتدي القلوب إلى معرفته وما ذاك إلا لأمر علمه الله من أهل البيت الكريم وسرا وجب لهم مزية التقديم فخصهم بباهر معجزاته وأظهر عليهم آثار علائمه وسماته وأيدهم ببراهينه والصادقة ودلالاته، والله أعلم حيث يجعل رسالته (1).