السر عندي في بيت له غلق * ضلت مفاتيحه والباب مردوم إذن الأسرار المودعة من قبل الله تعالى عند الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين هي أمانات وكما ورد في المثل الذي يقول " السر أمانة فانظر عند من تضع أمانتك "، وقال الله تعالى: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * (1).
وأسرار الله تعالى كلها أماناته في أرضه وقلوب أوليائه ولا إجازة لهتكها وكشف قناعها إلا بين يدي صاحبها الذي هو أهل لها وهذا أمر أمر الله تعالى به عباده المخلصين من الأنبياء والأولياء - (عليهم السلام) - وبالغ معهم، وأمرهم أيضا أن يأمروا بذلك المؤمنين ويبالغوا فيه، حتى قالوا " إفشاء سر الربوبية كفر وهتك أستار الألوهية زندقة " وقالوا " لا تضعوا الحكمة عند غير أهلها، فتظلموها، ولا تمنعوها من أهلها فتظلموهم كونوا كالطبيب الشفيق يضع الدواء موضع الداء ".
وقالوا في الشعر المنسوب الفارسي " فمن منع الجهال علما أضاعه ومن منع المستوجبين فقد ظلم "، وأقوالهم الشاهدة بذلك وإشاراتهم الدالة عليه أشهر وأظهر من أن تخفى على أحد، ومع ذلك نحن نذكر بعض ذلك استظهارا لك ولغيرك لئلا يهمله أحد ويوقع نفسه في الهلاك الأبدي والشقاء السرمدي، حيث جاء قوله تعالى تعليما لعباده وتأكيدا لهم في أداء الأمانة التي هي أسراره إلى أهلها * (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها، وحملها الإنسان أنه كان ظلوما جهولا) * (2).
والمراد أنه يقول: الذين هم الملائكة والجن والحيوانات والوحوش والطيور وغير ذلك - أو على استعداد كل واحد من السماوات والأرض والجبال بنفسها، لأنها عند الأكثرين شاعرة بذاتها - لأجل إيداع أمانتنا التي هي أسرارنا فما وجدنا أهلا لها ومستعدين لحملها لعدم قابليتهم وضعف استعدادهم لأن حمل الشئ وقبوله موقوف على قابلية ذلك الشئ واستعداده ووجدنا الإنسان أهلا لها ومستعدا لحملها فأمرناه بحملها وأشرنا إليه بقبولها لأنه كان " ظلوما جهولا " أي بسبب أنه كان مستعدا لها ومستحقا لحملها " بظلوميته وجهوليته ".