وأول هذه السنة المحرم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيما في المحرم بمكة لم يخرج منها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه بالخروج إلى المدينة، فخرجوا إرسالا في المحرم، وقد كان جماعة خرجوا في ذي الحجة وصدروا المشركين يحتسبون بالاهتمام بأمره والتحليل له، فاجتمعوا في دار الندوة، وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها، يتشاورون ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه.
قال ابن إسحاق: فحدثني ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: لما اجتمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا دار الندوة يتشاورون فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، غدوا في اليوم الذي اتعدوا له، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل، فوقف على باب الدار، فلما رأوه قالوا: من الشيخ؟ قال: شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسى أن لا يعدمكم منه رأي ونصح. قالوا: ادخل، فدخل معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش كلهم من كل قبيلة، من بني عبد شمس: عتبة، وشيبة [ابنا ربيعة]، ومن بني أمية: أبو سفيان بن حرب، ومن بني نوفل بن عبد مناف: [طعيمة بن عدي، وجبير بن مطعم، والحارث بن عامر بن نوفل]، ومن بني عبد الدار وقصي: النضر بن الحارث بن كلدة. ومن بني أسد بن عبد العزى: أبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، وحكيم بن حزام.
ومن بني مخزوم: أبو جهل بن هشام [ومن بني سهم] نبيه ومنبه ابنا الحجاج. ومن بني جمح: أمية بن خلف. ومن كان معهم، ومن غيرهم ممن لا يعد من قريش، فقال بعضهم لبعض: إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد كان، وإنا والله لا نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه [من غيرنا] فاجمعوا فيه رأيا، فقال قائل منهم: احبسوه في الحديد، واغلقوا عليه بابا، ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين قبله:
كزهير، والنابغة، من الموت.
فقال الشيخ النجدي: لا والله، ما هذا لكم برأي، والله لو حبستموه لخرج أمره