يخرج في غزوة إلا ورى بغيرها غير غزوة تبوك هذه، فإنه أمر التأهب لها لبعد الشقة وشدة الزمان، وحض رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله ورغبهم في ذلك، وحمل رجال من أهل الغنى واحتسبوا، وأنفق عثمان ابن عفان في ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد أعظم من نفقته، ثم إن رجالا من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم البكاؤن [وهم] سبعة نفر، فاستحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا أهل حاجة، فقال: لا أجد ما أحملكم عليه وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون، وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم، فاعتذروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعذرهم وهم بنو غفار، وقد كان نفر من المسلمين أبطأ بهم النية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تخلفوا عنه من غير شك ولا ارتياب، منهم كعب بن مالك أخو بني سلمة ومرارة بن الربيع أخو بني عمرو بن عوف وهلال بن أمية أخو بني واقف وأبو خيثمة أخو بني سالم، وكانوا نفر صدق ولا يتهمون في إسلامهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة وضرب معسكره على ثنية الوداع، ضرب عبد الله بن أبي ابن سلول معسكره أسفل منه، وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب على أهله، وأمره بالإقامة فيهم، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة أخا بني غفار، فقال المنافقون: والله ما خلفه علينا إلا استثقالا له، فلما سمع ذلك علي أخذ سلاحه ثم خرج حتى لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف وقال: يا نبي الله زعم المنافقون أنك إنما خلفتني استثقالا؟ فقال: كذبوا، ولكني خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، فرجع علي إلى المدينة.
(٥٠٩)