شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٣٠ - الصفحة ٣٨٧
لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.
وروى مسلم والترمذي بسنديهما أن معاوية بن أبي سفيان أمر سعد بن أبي وقاص قال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم: سمعت رسول الله يقول له وخلفه في بعض مغازيه فقال علي: خلفتني مع النساء والصبيان، فقال له رسول الله:
أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.
وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فتطاولنا إليها فقال: ادعوا لي عليا، فأتي به أرمد فبصق في عينيه ورفع إليه الراية ففتح الله عليه، ولما نزلت هذه الآية (ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) دعا رسول الله عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: اللهم هؤلاء أهلي.
ونقل الترمذي بسنده، عن عمران بن حصين، قال: بعث رسول الله جيشا واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السرية فأصاب جارية فأنكروا عليه وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله فقالوا: إذا لقينا رسول الله أخبرناه بما صنع علي بن أبي طالب فكان المسلمون إذا رجعوا من سفر بدؤوا برسول الله فسلموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم، فلما قدمت السرية فسلموا على رسول الله فقام رجل من الأربعة فقال: يا رسول الله ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا، فأعرض عنه رسول الله، ثم قام الثاني فقال مثل مقالته فأعرض عنه، ثم (قام) الثالث فقال مثل مقالته فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا فأقبل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلموالغضب يعرف في وجهه فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إن عليا مني وأنا من علي وهو ولي كل مؤمن بعدي.
ونقل بسنده عن أم سلمةزوج النبي: لا يحب عليا منافق ولا يبغضه مؤمن.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: كنا نعرف المنافقين نحن معاشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب.
وعن ابن عباس أن النبي أمر بسد الأبواب إلا باب علي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: يا علي لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك.
وعن أبي سعيد الخدري قال: صح وروى مسلم والترمذي والنسائي بأسانيدهم عن زر بن حبيش، قال: سمعت عليا يقول: والذي فلق الحبة وبرء النسمة إنه لعهد النبي الأمي إلى أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا فاسق (خ. ل: منافق).
ونقل الإمام أبو إسحاق أحمد بن محمدالثعلبي رضي الله عنه في تفسيره بسنده يرفعه إلى ابن عباس رضي الله عنه في تفسير قوله: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) أنه قال: الأعراف موضع عال من الصراط عليه العباس وحمزة وعلي ابن أبي طالب وجعفر ذو الجناحين يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسواد الوجوه.
وهذه فضيلة مفرة عمود فجرها مثمرة عود فخرها.
وروى الترمذي عن أنس بن مالك قال: بعث النبي (ص) ببراءة مع أبي بكر ثم قال: لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي، فدعى عليا فأعطاه إياه.
وعن ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وأمره أن ينادي بهذه الكلمات ثم أتبعه عليا، فبينا أبو بكر ببعض الطريق إذ سمع رغا ناقة رسول الله القصوى، فقام أبو بكر فزعا يظن أنه رسول الله، فإذا علي فدفع إليه كتابا من رسول الله وأمر عليا أن ينادي بهؤلاء الكلمات، فإنه لا ينبغي أن يبلغ عني إلا رجل من أهلي، ثم اتفقا فانطلقا فقام علي أيام التشريق ينادي ذمة الله ورسوله برية من كل شرك فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ولا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوفن بعد اليوم عريان ولا يدخلن الجنة إلا كل نفس مؤمنة. قال: فكان علي ينادي بهذه الكلمات، فإذا عيي قام أبو بكر ينادي بها.
ويروى عن أم عطية قالت: بعث النبي جيشا فيهم علي بن أبي طالب، قالت:
فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم لا تمتني حتى تريني علي بن أبي طالب.
وروى عن علي، قال: كنت إذا سألت رسول الله أعطاني وإذا سكت ابتدأني.
وروى عن علي أنه قال: كنت شاكيا فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: اللهم إن كان لي أجلي قد حضر فأرحني وإن كان متأخرا فارفعني وإن كان بلاء فصبرني. فقال رسول الله: كيف قلت؟ فأعدت مقالتي. قال: فضربني برجله وقال:
اللهم عافه أو أشفعه - شك الراوي أيهما قال - قال علي: فما أشكيت وجعي ذلك بعد.
وروى النسائي بسنده، عن علي (ع) أنه قال: كانت لي منزلة من رسول الله لم تكن لأحد من الخلائق، أتيته بأعلا السحر فأقول: السلام عليك يا نبي الله، فإن تنحنح أنصرف إلى أهلي وإلا دخلت عليه.
إلى أن قال بعد نقل الأحاديث التي ذكرناها سابقا:
وهذه الأحاديث النبوية مع اختلاف ألفاظها وتعدد رواتها وحفاظها - وإن كان كل حديث منها عند تجريد النظر إليه وحده خبرا واحدا يفيد ظنا بمدلوله الخاص به - لكنها جميعها قد اشتركت دلالتها الخاصة في مدلول عام اشتركت كلها فيه ودلت عليه، وعناية رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلي وسيلة إليه وإشفاقه عليه واستعانته به وتخصيصه بعلو المكانة عنده والمنزلة منه، فصارت جميعها دالة على هذا المعني المشترك دلالة تكاد تلحق بالتواتر المفيد للعلم، فصارت هذه دلالتها على ذلك نازلة في ضرب المثال كجماعة من الناس سألوا عن شخص من الأكابر فذكر واحد منهم أن ذلك الشخص كساه الملك خلعة وذكر آخر أن الملك وهبه جارية وذكر بعضهم أن الملك أعطاه قرية وذكر بعضهم أن الملك أسكنه دارا وذكر بعضهم أن الملك أطلق له نفقة، فأخبر كل واحد منهم عن شئ غير ما أخبر به الباقون لكن اتفقت أخبارهم عن معنى مشترك دلت أقوالهم عليه وهو إحسان الملك إليه وعنايته به، فيحصل للسامعين علم بأن هذا الشخص المذكور له عند الملك منزلة عالية ومكانة خصصه بها يكاد يلحق بعلم اليقين، فكذلك هذه الأحاديث النبوية المتعددة الصادرة منه في حق علي في دلالتها على ما ذكرناه. فهذا تأصيل دلالة اجمالية على شرحته آنفا.