أردت النهوض قال لي: لا أظنك تقدر على العودة هذه الليلة. فقلت: نعم. أظن ذلك.
قال: لا، ومن الخير أن تبيت الليلة هنا وعند الصباح اذهب على بركة الله. وأمر جاريته أن تفرش لي فراشه. فبت في وسادته وكسائه وملحفته. فأصابني زهو في نفسي، فإذا به يقول: يا أحمد، إن أمير المؤمنين أتى زيد (صعصعة) بن صوحان عائدا له، فلما أراد أن يقوم من عنده قال: يا زيد (صعصعة) بن صوحان، لا تفتخر بعيادتي إياك وتواضع لله وتوكل عليه.
وقال أبو محمد الغفاري: لزمني دين ثقيل فقلت: ما لقضائه غير الرضا. فلما أصبحت أتيت منزله فاستأذنت عليه، فأذن لي. فلما دخلت قال لي ابتداء: يا أبا محمد قد عرفنا حاجتك وعلينا قضاء دينك. فلما أمسينا أتى بطعام للافطار، فأكلنا. فقال: يا أبا محمد، تبيت أو تنصرف؟ فقلت: يا سيدي، إن قضيت حاجتي فالانصراف أحب إلي. قال: فتناول من تحت البساط قبضة فدفعها إلي. فخرجت فدنوت من السراج فإذا هي دنانير حمر وصفر، فأول دينار وقع في يدي رأيت نقشه كان عليه: يا أبا محمد الدنانير خمسون، ستة وعشرون منها لقضاء دينك، وأربعة وعشرون لنفقة عيالك.
فلما أصبحت فتشت الدنانير فلم أجد ذلك الدينار، وإذا هي لا تنقص شيئا.
وحج الإمام عند خروجه من المدينة إلى مرو حجة وداع، ثم توجه من المدينة إلى البصرة ولم يصل الكوفة. ومن بغداد توجه شمالا قاطعا الجبال إلى قرمسين وهمدان ثم سار بمراحل قصيرة إلى الري، وهي مدينة Rhages عند اليونان وخرائبها قرب طهران اليوم. وتوجهت القافلة المنهوكة القوى شرقا وهي تحمل نور محمد حتى بلغت مدينة طوس بعد شهر، ومنها سارت إلى مرو في تركستان الحديثة. وقد يكون البطئ في سفر الإمام لطول الوقت الذي تقطع به القوافل ذلك الطريق بين بغداد ومرو، فالمسافة تتراوح بين شهرين وثلاثة أشهر، وقد يكون ذلك لاستقبال الناس له في كل مكان استقبالا فخما.
وعند وصوله إلى مرو كان الخليفة المأمون لا يزال مصرا على رأيه، وقد أكرمه