لقد كان أبو عبد الله الصادق عبدا شكورا، وإنا نرى أن الصبر والشكر معنيان متلاقيان في نفس المؤمن، فمن شكر النعمة فهو الصابر في النقمة... بل إن شكر النعمة يحتاج إلى صبر، والصبر في النقمة لا يتحقق إلا مع الشكر، إذ يكون هو الصبر مع الرضا، وهو الصبر الجميل.
ولقد كان أبو عبد الله صابرا خاشعا قانتا عابدا... صبر في الشدائد، وصبر في فراق الأحبة، وصبر في فقد الولد. مات بين يديه ولد صغير له من غصة اعترته، فبكى وقال: لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن ابتليت لقد عافيت. ثم حمله إلى النساء، فصرخن حين رأينه، فأقسم عليهن ألا يصرخن. ثم أخرجه إلى الدفن وهو يقول: سبحان من يقبض أولادنا ولا نزداد له إلا حبا، ويقول بعد أن واراه التراب: إنا قوم نسأل الله ما نحب فيمن نحب فيعطينا، فإذا أحب ما نكره فيمن نحب رضينا.
فهو رضي الله عنه يرضى بما يحبه الله، وذلك هو الشكر في النقمة، وإن الصبر مع التململ لا يعد صبرا، إنما هو الضجر، والضجر والصبر متضادان، ولعل أوضح الرجال الذين تلتقي فيهم حال الشكر مع حال الصبر هو الإمام الصادق.
وقال أيضا في ص 715 في شجاعته عليه السلام:
إن أحفاد علي الصادقين في نسبتهم إليه شجعان، لا يهابون الموت، وخصوصا من يكونون في مثل حال أبي عبد الله جعفر الصادق، الذي عمر الإيمان قلبه، وانصرف عن الأهواء والشهوات، واستولى عليه خوف الله وحده، ومن عمر قلبه بالإيمان بالله وحده لا يخاف أحدا من عباده، مهما تكن سطوتهم وقوتهم. وقد كان شجاعا في مواجهته لمن يدعون أنهم له أتباع، ويحرفون الاسلام عن مواضعه، وكان شجاعا عندما يذكر المنصور بطغيانه وجبروته، وقد سأله: لم خلق الله الذباب؟ فأجابه: ليذل به الجبابرة، كما قلنا لك من قبل. وإن لقاءه للمنصور - وقد تقول عليه الأقاويل من يطوفون بملكه - وثبات جنانه في هذا اللقاء، وإجابته الصريحة لأكبر دليل على ما كان