شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٢٦ - الصفحة ١٤٩
بنتي، اللهم إنك تعلم أني أحبهما فأحبهما (1).
(١) قال الفاضلان المعاصران الشريف عباس أحمد صقر والشيخ أحمد عبد الجواد المدنيان في (جامع الأحاديث) (القسم الثاني ج ٩ ص ٥٤٩ ط دمشق):
عن الشعبي [وهو عامر بن شراحبيل بن عبد المعروف أدرك ٥٠٠ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم] قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلاعن أهل نجران، قبلوا الجزية أن يعطوها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أتاني البشير بهلكة أهل نجران، لو تموا على الملاعنة، حتى الطير على الشجر، والعصفور على الشجر، ولما غدا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذا بيد حسن وحسين، وكانت فاطمة رضي الله عنها تمشي خلفه. (ص، ش، وعبد بن حميد وابن جرير).
وقال العلامة محمد بن مكرم ابن منظور في (مختصر تاريخ دمشق، (ج ٧ ص ١٢٣ ط دمشق):
وعن علي قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج لمباهلة النصارى بي وبفاطمة والحسن والحسين.
وقال الفاضل المعاصر محمد شلبي في (حياة الإمام علي عليه السلام) (ص ٢١٧ ط دار الجيل - بيروت):
قال الراوي: في سنة عشر وفد نجران مع العاقب والسيد، وأما نصارى نجران فإنهم أرسوا العاقب والسيد في نفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا مباهلة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين، فلما رأوهم قالوا: هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها، ولم يباهلوه، وصالحوه على ألفي حلة ثمن كل حلة أربعون درهما، وعلى أن يضيفوا رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل لهم ذمة الله تعالى وعهده ألا يفتنوا عن دينهم ولا يعشروا، وشرط عليهم أن لا يأكلواالربا ولا يتعاملوا به.
وقالوا: ولما نزلت هذه الآية (ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: اللهم هؤلاء أهلي، هؤلاء أهلي.
وقال علامة النحو والأدب أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي النحاس الصفار المصري المتوفى فيها سنة ٣٣٨ في (اعراب القرآن) (طبع بيروت) قال:
وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أولاد منهم إبراهيم والقاسم والطيب، والحسن والحسين رضي الله عنهم ولدا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أن عيسى عليه السلام من ولد آدم.
وقال العلامة المفسر الشيخ عماد الدين أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري المشتهر بالكيا الهراسي المتولد بطبرستان سنة ٤٥٠ والمتوفى ببغداد سنة ٥٠٤ في (أحكام القرآن) (ج ١ - ٢ ص ٢٨٦ ط بيروت سنة ١٤٠٥):
قوله تعالى: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم)، واعلم أن في هذا دلالة على أن الحسن والحسين رضي الله عنهما ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه أخذ بيد الحسن والحسين حين أراد حضور المباهلة. وقال الله تعالى: (ندع أبناءنا وأبناءكم)، ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم بنون غيرهما.
وقالت الفاضلة المعاصرة وداد السكاكيني في (أمهات المؤمنين وبنات الرسول صلى الله عليه وسلم) (ص ١٩٥ ط دار الفكر - بيروت):
وكأن الله كرم فاطمة في نسلها الطيب، فاختصها بذرية محمد، ولم يكن له عقب من سواها، وكفى بالحسنين السبطين اللذين كانا قرة عين الرسول وأحب الريا حين إلى شمه، كان يسميهما ولديه، ولطالما لاعبهما ووصى بهما، وتفرس في وجهيهما الصبيحين، فرأى من خلال القدر مصيرهما الفاجع، أكان الرسول ينشق سبطيه الحبيبين ويقول: إني أشم رائحة الجنة فيهما، لأنه يعلم لهما ذلك المصير؟
وقال العلامة الشيخ أبو سعيد المحسن بن كرامة الجشمي البيهقي المشتهر بابن البدر في (التهذيب في التفسير) (ص ١٩٩ نسخة اسلامبول):
ويدل على أن ولد الأم يجوز أن يضاف إلى أب الأم لأنه جعل عيسى من ذرية إبراهيم، ويدل على أنه يجوز أن يقال الحسن والحسين ابنا رسول الله صلى الله عليه، وقد ثبت أن النبي عليه السلام كان يقول للحسن والحسين: يا بني، وقال للحسن: ابني هذا سيد. وكانت الصحابة يقولون لهما ولأولادهما: يا بن رسول الله: فذلك كالاجماع. وروي أن الحجاج دعى يحيى بن يعمر وبين يديه سيف مسلول وقال: أنت تزعم أن الحسن والحسين ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لتأتين بالمخرج أو لأضربن عنقك. فقال: إن أتيتك بالمخرج فإني آمن. قال: نعم، فتلا هذه الآية وقال: أيما أبعد بين عيسى وإبراهيم أم بين الحسن والحسين وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال الحجاج: ما أراك إلا وقد أمنت وولاه القضاء.
وقال الفاضل المعاصر موسى محمد علي في كتابه (حليم آل بيت الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه) (ص ٥٧ ط عالم الكتب - بيروت):
وعن مدرج بن زياد أنه قال: كنا في حيطان ابن عباس وحسن وحسين فطافوا في البستان فنظروا ثم جاءوا إلى ساقية فجلسوا على شاطئها فقال لي حسن: يا مدرك أعندك غذاء؟
فقلت: قد خبزنا. فقال: ائت به، فجئته بخبز وشئ من ملح جريش وطاقتين بقل، فأكل ثم قال: يا مدرك ما أطيب هذا، ثم أتي بغذائه وكان كثير الطعام طيبه، فقال يا مدرك: اجمع لي غلمان البستان. قال: فتقدم إليهم فأكلوا ولم يأكل، فقلت: ألا تأكل؟ فقال: ذلك أشهى عندي من هذا، ثم قاموا فتوضأوا، ثم قدمت دابة الحسن فأمسك له ابن عباس بالركاب سوى عليه، ثم جاء بدابة الحسين فأمسك له ابن عباس بالركاب وسوى عليه، فلما مضيا قلت: أنت أكبر منهما تمسك لهما الركاب وتسوي عليهما؟ فقال: يا لكع أتدري من هذين؟ هذان ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس هذا مما أنعم الله علي به أن أمسك لهما وأسوي عليهما. ا ه.
وقال الفاضل المعاصر عبد العزيز الشناوي في كتابه (سيدات نساء أهل الجنة) (ص ١٢٥ ط مكتبة التراث الاسلامي - القاهرة):
ودخل النبي عليه الصلاة والسلام بيت علي يوما فوجد ابنته الهراء فسألها: أين ابناي؟
- يعني حسنا وحسينا -.
قالت فاطمة: أصبحنا وليس في بيتنا شئ يذوقه ذائق، فقال علي: أذهب بهما فإني أتخوف أن يبكيا عليك وليس عنك شئ، فذهب إلى فلان اليهودي.
فتوجه النبي عليه الصلاة والسلام إلى اليهودي فوجد الحسن والحسين يلعبان في شربة بين أيديهما فضل من تمر؟ فقال: يا علي ألا تقلب - تصرف - ابني قبل أن يشتد الحر، قال أبو الحسن: أصبحنا وليس في بيتنا شئ، فلو جلست يا رسول الله حتى أجمع لفاطمة فضل تمرات.
فجلس النبي عليه الصلاة والسلام حتى اجتمع لابنته فضل من تمر، فجعله في خرقة ثم أقبل فحمل النبي عليه الصلاة والسلام الحسن وحمل علي الحسين حتى رجعا بهما إلى بيت أبي الحسن.
وقال العلامة الشيخ أبو عبد الله محمد بن المدني جنون المغربي الفاسي المالكي المتوفى بعد سنة ١٢٧٨ في كتابه (الدرر المكنونة في النسبة الشريفة المصونة) (ص 14 ط المطبعة الفاسية):
وحكي أن الرشيد قال لموسى الكاظم رضي الله عنه: كيف قلتم نحن ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم بنو علي، وإنما ينسب الرجل إلى جده لأبيه دون جده لأمه؟ فقرا الكاظم: (ومن ذريته داود) إلى قوله (من الصالحين).
ثم قال: وليس لعيسى أب وإنما ألحق بذرية الأنبياء من قبل أمه، وكذلك ألحقنا بذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل أمنا فاطمة رضي الله عنها. ثم قال:
قال الله عز وجل: (فمن حاجك فيه من بعد ما جائك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم) الآية. ولم يدع صلى الله عليه وسلم عند مباهلتهم غير فاطمة وعلي والحسن والحسين وهما الأبناء.
وذكر في (الروض الزاهر (عن الشعبي قال: لم بلغ الحجاج أن يحيى بن يعمر يقول: إن الحسن والحسين رضي الله عنهما من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يحيى بن يعمر، بخراسان، فكتب الحجاج إلى قتيبة بن مسلم وإلى خراسان أن ابعث إلى يحيى بن يعمر، فبعث به إليه. قال الشعبي: وكنت عند الحجاج حين أتى به إليه، فقال له الحجاج: بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أجل يا حجاج. قال الشعبي: فعجبت من جرأته بقوله (يا حجاج) فقال له الحجاج: والله إن لم تخرج منها وتأتيني بها مبينة واضحة من كتاب الله لألقين أكثر منك شرا، ولا تأتيني بهذه الآية (ندع أبناءنا وأبناءكم) قال: فإن خرجت من ذلك واضحة مبينة من كتاب الله فهو أماني؟ قال:
نعم. فقال: قال الله تعالى (ووهبنا له إسحاق ويعقوب) إلى (الصالحين). ثم قال يحيى بن يعمر: فمن كان أبا عيسى وقد ألحقه الله بذرية إبراهيم وما بين عيسى وإبراهيم أكثر مما بين الحسن والحسين ومحمد صلى الله عليه وسلم. فقال له الحجاج: وما أراك إلا وقد خرجت وأتيت بها مبينة واضحة، والله لقد قرأتها وما علمت بها قط.
وهذه القصة ذكرها جماعة.
منهم الفاضل المعاصر الشيخ أبو بكر جابر الجزائري في كتابه (العلم والعلماء) (ص 114 ط دار الكتب السلفية بالقاهرة سنة 1403) قال:
1 - حكي عن الشعبي أنه قال: كنت عند الحجاج بن يوسف الثقفي فأتي بيحيى بن يعمر فقيه خراسان من بلخ مكبلا بالحديد، وقال له الحجاج: أنت زعمت أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال بلى، فقال الحجاج: لتأتيني بها واضحة بينة من كتاب الله أو لأقطعنك عضوا عضوا. فقال: آتيك بها واضحة بينة من كتاب الله يا حجاج، قال فتعجبت من جرأته بقوله يا حجاج. فقال له: ولا تأتني بهذه الآية (ندع أبناءنا وأبناءكم) فقال: آتيك بها واضحة من كتاب الله، وهو قوله: (ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان) إلى قوله (وزكريا ويحيى وعيسى) فمن كان أبو عيسى، وقد ألحق بذرية نوح. قال: فأطرق مليا ثم رفع رأسه وقال: كأني لم أقرأ هذه الآية من كتاب الله، حلوا وثاقه وأعطوه من المال كذا..
والشاهد من هذه الحكاية حيث استدل العالم الفقيه على أن الحسن والحسين من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب الله تعالى، إذ عد الله تعالى عيسى من ذرية نوح لكون أمه مريم عليها السلام من ذريته، فكذلك الحسن والحسين من ذرية محمد صلى الله عليه وسلم، لأن أمهما فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم.