وبما قررناه لا يتوجه إليه ما أورده عليه محمد بن عبد الفتاح التنكابني المشهور بالسراب بقوله: النهي في * (لا يقربوا) * إما متعلق بالمسلمين بمعنى منع المسلمين المشركين عن الدخول، وإما متعلق بالمشركين، فعلى الأول كون الكفار مكلفين بالفروع ليس من أحكام الآية، وعلى الثاني ليس عدم تمكين المسلمين لهم من أحكامها فعدهما من الأحكام لا وجه له. ثم قال: فإن قيل: منع المسلمين إياهم عن الدخول إنما هو بمقتضى النهي عن المنكر، فليس عدم التمكين حينئذ من الأحكام المستفادة من الآية، والقول بأن مراده من جعل كل واحد من الأمرين من أحكام الآية إنما هو على تقدير خارج عن أسلوب الكلام (1)، انتهى.
وذلك لأنا نختار أن النهي متعلق بهما معا، ولكن تعلقه بالمؤمنين أصالة وبالذات، وبالمشركين تبعا وبالعرض، نظيره ما قالوه في طويل النجاد: إنه يجوز إرادة طول النجاد مع إرادة طول القامة.
وفي كلام صاحب المفتاح ما يدل على أن اللفظ المستعمل في الحقيقة والمجاز حقيقة باعتبار معناه الحقيقي، فإن الحقيقة قسمان: قسم يراد به معناه الحقيقي، ولازمه وهو الكناية، وذهب الحاجبي إلى أنه مجاز، لأن المعنى الحقيقي هو المفهوم بقيد الانفراد، فإذا استعمل اللفظ في المجموع يبطل معناه الحقيقي، فيكون اللفظ مستعملا في المجموع بوضع ثان كما في عموم المجاز.
والحق أن اللفظ موضوع لمفهوم الحقيقة مطلقا، مع قطع النظر عن الانفراد والاجتماع، فإذا استعمل في معناه الحقيقي والمجازي لم يبطل معناه الحقيقي، لكن يكون مجازا في إرادة كل منهما لتجاوزه عن معناه الحقيقي، وقد بين ذلك في الأصول.
وكذلك لا يرد على البيضاوي ما أورده عليه ملا ميرزا محمد بن الحسن الشيرواني بقوله: من الأوهام الفاضحة والأغلاط الواضحة ما ذكره في تفسير هذه