الخبز فإن الله أنزله من بركات السماء " (1).
والظاهر أن قطعه بما يشبه السكين كالخشب المنحوت المشكل بشكل السكين ونحوه كما هو المتعارف بين أكثر الناس حكمه حكمه، فتركه من غير ضرورة أولى وأحوط.
ثم إني بعد ما فرغت من تقريري هذا عثرت على كلام لصاحب الوافي أورده فيه في باب فضل الخبز في مقام بيان هذا الخبر هكذا: كأنهم كانوا يلينون الخبز اليابس بالأدم كالزيت واللبن ونحوهما، فإذا لم يجدوا إداما قطعوه بالسكين إلى حد لم يمكن كسره باليد إلى ذلك الحد ليسهل تناوله، فيفعل فعل الإدام، ولعلهم كانوا يجدون في المقطوع لذة ولا يجدونها في المكسور، وهذا رخصة خصت بحال الضرورة وفقدان الإدام (2)، انتهى.
وفيه بعد، أما أولا: فلأن تخصيصه باليابس مع عمومه خلاف الظاهر، بل الظاهر من قوله: " كان يقطع " أنه كان جديدا لينا لا يحتاج إلى التليين الذي يحتاج إليه اليابس، فينبغي توجيهه على وجه يطابق عمومه.
وأما ثانيا: فلأن المتعارف بين الناس في الخبز اليابس أنهم يكسرونه باليد، وإذا أرادوا سهولة تناوله أو المبالغة في تكسيره وتفتيته إلى حد لا يمكن كسره إليه باليد: إما لصلابته أو لانتهاء أجزائه في مراتب التكسير إلى غاية لم يمكن كسره باليد يلينونه بالماء أو يرضونه ويدققونه حتى كأنه السويق، فيفيد بذلك أدنى فائدة الإدام في سهولة التناول، لا أنهم يقطعونه بالسكين إلى ذلك الحد الغير الممكن كسره إليه باليد، فإن ذلك مع كونه خلاف المعهود منهم خلاف طور العقل.
وأما ثالثا: فلأن تخصيص وجدان اللذة في المقطوع بهؤلاء السلف ونسبته إليهم مما لا وجه له، بل الظاهر من خبر السياري أن قطع الخبز بالسكين يفيد أدنى فائدة الإدام مطلقا في أي مكان أو زمان كان، وبالنسبة إلى أي شخص أو مزاج كان، مع أنه لم يظهر مما أفاده لم لذتهم بالمقطوع دون المكسور.