ويؤيده ما ورد في الخبر عن سيد البشر: " ليس العلم بكثرة التعلم، إنما هو نور يقذفه الله في قلب من يريد أن يهديه " (1).
وفي خبر آخر: " من أخلص لله أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه " (2).
وفي آخر: " العلم نور وضياء يقذفه الله في قلوب أوليائه وينطق به لسانهم ".
وفي آخر: " ما من عبد إلا ولقلبه عينان وهما غيب يدرك بهما الغيب، فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح الله عيني قلبه، فيرى ما هو غائب عن بصره ".
وفي آخر: " النور إذا دخل في القلب انشرح وانفسح، قيل: يا رسول الله، هل لذلك من علامة؟ قال: نعم، التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله ".
ويظهر منها وما شاكلها أن العلم للعالم إنما يحصل من الله جل ذكره إذا تبتل إليه تبتيلا، واتخذ بالذكر والفكر إليه سبيلا، على قدر صفائه وقبوله وقوته واستعداده، ولا يحصل إلا بعد فراغ القلب وصفاء الباطن وتخليته عن الرذائل، وخاصة عن رذيلة الدنيا وحبها وزهراتها وزخارفها، فإنها رأس كل رذيلة والمانع من حصول كل فضيلة، هذا.
ويمكن فهم عدالة المفتي أيضا من هذا الخبر، لأن صفاء سريرته وعلانيته وإخلاص عمله ونيته بدونها غير متصور.
ثم إن قول الإمام (عليه السلام): " وبرهان من ربه في كل حال " مما يؤيد ما ذهب إليه المحقق، حيث عد من تسويغ الفتوى أن يكون المفتي بحيث إذا سئل عن لمية الحكم في كل واقعة يفتي بها أتى به بجميع أصوله التي يبني عليها (3).
وقال في موضع آخر: إذا أفتى المجتهد عن نظر في واقعة، ثم وقعت بعينها في وقت آخر، فإن كان ذاكرا لدليلها جاز له الفتوى، وإن نسيه افتقر إلى استئناف نظر،