فإن أدى نظره إلى الأول فلا كلام، وإن خالف وجب الفتوى بالأخير (1). وذهب العلامة في التهذيب (2) إلى جواز بناء المجتهد في الفتوى بالحكم على الاجتهاد السابق.
قيل: ولا ريب أن ما ذكره المحقق أولى، غير أن ما ذهب إليه العلامة متوجه، لأن الواجب على المجتهد تحصيل الحكم بالاجتهاد وقد حصل، فوجوب الاستئناف عليه بعد ذلك يحتاج إلى دليل وليس بظاهر.
أقول: هذا الحديث بظاهره دليل عليه، لأن المفتي وقت إفتائه إنما يكون على برهان من ربه وحجة منه إذا كان ذلك البرهان حاضرا له في هذا الوقت وهو ذاكر له وناظرا فيه وحاكم بما يقتضيه، فحينئذ يمكنه أن يقول: هذا الحكم مما يقتضيه هذا البرهان.
ومن البين أنه إذا كان غائبا عنه وهو لا يلاحظه بعين بصيرة ولا يأخذه بيد غير قصيرة لا يمكنه ذلك بوجه، إذ ربما يؤدي نظره فيه في هذا الوقت إلى ما يخالف مقتضى نظره الأول، فكيف يمكنه أن يقول: هذا مما اقتضاه هذا البرهان، وهو مخالف لمقتضاه ومغاير لمؤداه، فلا يصدق عليه وقتئذ أنه قد حصل الحكم بالاجتهاد، لأن هذا الحكم في هذا الوقت ليس مما اقتضاه هذا البرهان، فيدخل بذلك تحت حكم من حكم بحكم ولا إذن ولا برهان له عليه من الله، وهو منهي عنه.
وقوله (عليه السلام): " لأن من أفتى حكم " أي: حكم بأن هذا حكم الله في هذه القضية وجب على المكلف قبوله واعتقاده، والحكم بأن هذا حكم الله لا يجوز إلا بأمر وأخصه من الله وبرهان وحجة منه، وليس المراد أن الفتوى هي الحكم، لأنهما وإن اشتركا في أن كلا منهما إخبار عن حكم الله تعالى فيجزم المكلف اعتقاده من حيث الجملة إلا أن بينهما فرقا، لأن الفتوى مجرد إخبار عن حكم الله تعالى بأن