فدلت على أن الإمامة عهد من الله وأمانة منه لا تنال من كان ظالما ولو وقتا ما.
ويدل عليه ما رواه الفقيه ابن المغازلي الشافعي عن عبد الله بن مسعود في تفسير الآية، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " انتهت الدعوة إلي وإلى علي، لم يسجد أحد منا لصنم قط، فاتخذني الله نبيا واتخذ عليا وصيا " (1). وهذا نص بالباب. وإلى ذلك أشار صاحب التجريد بقوله: ولسبق كفر غير علي (عليه السلام) فلا يصلح للإمامة غيره، فتعين هو (2). وجواب القوشجي بأن غاية الأمر ثبوت التنافي بين الظلم والإمامة ولا محذور إذا لم يجتمعا مندفع بما سبق.
واعلم أن الشافعي وشيعته كالبيضاوي ذهبوا إلى أن إطلاق المشتق بعد وجود المشتق منه وانقضائه كالظالم لمن قد ظلم قبل وهو الآن لا يظلم حقيقة مطلقا، سواء كان مما يمكن بقاؤه كالقيام والقعود أو لا كالمصادر السيالة نحو التكلم والإخبار.
فعلى قاعدتهم هذه يرد عليهم أن الظالم وإن انقضى ظلمه وتاب عنه وقبل توبته لا يصلح للإمامة، إذ يصدق عليه أنه ظالم حقيقة على ما ذهبوا إليه، وقد نفى الله عنه الإمامة، فكيف نالت الإمامة من يعتقدون إمامته مع ظلمه وكفره بالاتفاق؟! وهذا مع قطع النظر عما سبق منا أمر يلزمهم بخصوصهم وهم لا يشعرون، وما وقفت في كلام أحد تفطن بهذا فهو من سوانح الوقت والحمد لله.
وإذا ثبت أن الظالم وهو من وضع الشئ في غير موضعه وإن كان وقتا ما أو من تعدى حدود الله التي هي الأوامر والنواهي لقوله تعالى: * (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم) * (3) لا تناله الإمامة، ثبت أن الإمام لا بد وأن يكون معصوما، وإلا لكان ظالما: إما لنفسه أو لغيره، وقد سبق أنه منفي عنه الإمامة، فالآية مما دلت على اعتبار العصمة في الإمام، والحمد لله وحده ذي الجلال والإكرام.