العامة، فالآية لا تدل على عدم نيل الإمامة الظالم بعد توبته، لعدم صدق الظالم عليه حينئذ.
أقول: أية فائدة في الأخبار بأن الظالم أي الكافر كما هو مراد المحشي، ويدل عليه قوله تعالى: * (والكافرون هم الظالمون) * (1) ما دام كافرا لا تناله الإمامة وهي الرئاسة العامة في أمر الدين والدنيا خلافة عن الله أو عن النبي، فإن من الأوليات بل الأجلى منها أن الإمامة والظلم بالمعنيين المذكورين لا يجتمعان، ولا يتوهمه عاقل ليحتاج إلى دفعه بإنزال آية من السماء، ضرورة ثبوت التنافي بينهما، فكيف يصير هذا الحكم موضعا للإفادة، وخاصة إذا صدر من الحكيم العليم الذي لا يتطرق إليه ولا إلى كلامه عبث ولا لغو، ولا يكون كلامه ككلام الساهي والنائم والهاذي؟!
فظهر أنه لا يمكن أن يراد بالظالم المنفي عنه الإمامة من يباشر الظلم ويرتكبه حتى يصح أن يقال: إنه إذا تاب عنه وأصلح لم يبق ظالما فيمكن أن تناله الإمامة، بل هو واقع، لأنها قد نالت هؤلاء بثلاثتهم بعد أن تابوا عن ظلمهم وكفرهم وأصلحوا، وهل هذا إلا مصادرة وتفسير للآية بما يطابق أهواءهم؟
بل المراد به من وجد منه الظلم وقتا ما وإن لم يكن في الحال ظالما بل كان تائبا، لأن إبراهيم (عليه السلام) لم يسأل الإمامة لبعض ذريته المباشرين للظلم من قبل أن يتوبوا عنه، فإنه قبيح عمن يدعي صحبة عاقل من العقلاء، فكيف لا يكون قبيحا عمن هو من أعقل الأنبياء؟!
فتعين أن سؤاله الإمامة: إما لبعض ذريته مطلقا، أو للذين لم يظلموا منهم أصلا، أو ظلموا ثم تابوا عنه. والأول لا يحتمل المباشرين للظلم منهم كما مر لما مر، فيتحقق في ضمن أحد الأخيرين، فقوله تعالى في جوابه: * (لا ينال عهدي الظالمين) * منهم صريح في أن الذين ظلموا منهم، أي سبقوا في الظلم والكفر لا ينالهم عهد الله وإن تابوا بعد ظلمهم وأصلحوا ولم يكونوا في الحال ظالمين،