واعلم أن الجواب الحاسم لمادة المشاغبة والمشاجرة: ما سبق من أن الاستخلاف بالنص لما كان هو الأصلح والأصوب لعدم أدائه إلى التشعب والتشاغب، كان من الواجب في سنة هذا السان لكونه من أكمل أفراد نوع الانسان أن ينص على من يخلفه، وأن لا يكون الاستخلاف إلا من جهته، لا بإجماع جماعة من أهل الغرض والعناد وطائفة من أهل الزور والفساد، حسما لمادة المخالفة والجدال وسدا لطريق المنازعة والقتال، إذا سير بسيرته وعمل بشريعته وسنته، وذلك معلوم من استقامة طريقته وحسن سيرته وصفاء طويته وغاية لطفه بأمته، والمنازع مكابر مقتضى عقله وبصيرته، والله يعلم ذلك من سريرته.
ومن هنا تراهم يقولون: إن الرئاسة العامة إذا لم تكن على وجه الغلبة والقهر بل كانت على طريقة مؤدية إلى صلاح المدينة في معاشهم ومعادهم لا بد وأن تكون من قبل الله ووحيه، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) وما يسنه فإنما هو من عنده، وواجب في حكمته أن يسنه، لأنه أعلم بمصالح عباده منهم في أمور دينهم ودنياهم فيختار لهم من يشاء لما يشاء بعد أن كان مستعدا لذلك وأهلا له، وذلك مما لا يعلمه كما هو إلا هو، والله أعلم حيث يجعل رسالته، حتى أن النبي (صلى الله عليه وآله) مع كماله وتوسطه بين الله وبين عباده عاجز عن هذا الخطب العظيم والأمر الجسيم من دون توسط الإنباء وإيحاء، فيقتضي النص والتصريح به.
ولما سأل سادة بني إسرائيل نبيهم أن يملكهم ليقاتلوا به في سبيل الله * (وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم) * (1) بمن اصطفاه للملك والرئاسة. فانظر - رحمك الله - نظر طالب حق لا يكون له ميل بطرف دون طرف كيف رد عليهم تعللهم بأن لا ملك إلا بالرجال ولا رجال إلا بالمال وهو فقير لا سعة له ولا مال، بأن الركن الأعظم الشديد الحاجة إليه في الملك والرئاسة بعد