ووصلة إلى الحياة الأبدية والفيوضات السرمدية.
ولا شك في أن عليا (عليه السلام) كان أعقل من عمر بجميع هذه المعاني، والمعول الأعظم في ذلك النقل الوارد في طريقي المتخاصمين.
نعم يمكن أن يقال: إن العقل في أصل اللغة ما كان سببا لجلب النفع ودفع الضر، ثم إن أهل العرف لما شاهدوا وجود هذا المعنى في أمثال عمر بحسب الظاهر، وهم - كما قيل - يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون، وذلك مبلغهم من العلم، أطلقوا عليه اسم العاقل.
وأما أهل الحقيقة، فلما نظروا إلى عواقب الأمور ووجدوا النفع العاجل في جنب الضرر الآجل أقل قليل، بل لا شئ في الحقيقة، سلبوا عنه اسم العقل، وقالوا: إن ما كان في عمر ومعاوية ومن ينزل منزلتهما، يقال له: الجربزة والنكراء والشيطنة والغوغاء كما أشار إليه ابن سينا في مواضع من هذا الفصل، وهي شبيهة بالعقل وليست هو. فالاختلاف بين الفريقين ليس في معنى العقل بل في اندراج هذا الفرد في مفهومه، هذا.
ثم بما تقرر في العقول من عدم جواز تفضيل المفضول بل المساوي لامتناع ترجيح أحد المتساويين، يلزم أن يكون الخليفة أفضل أهل زمانه كلا، وصاحب النفس القدسية بل صاحب معجزة تدل على خلافته، وتكون آية ملكه وعلامة سلطانه، بل يجب أن يكون متصرفا في أجزاء العالم، ظاهرا بالسيف وباطنا بالهمة وبالجملة: يكون أشبه الخلائق بالنبي (صلى الله عليه وآله) نفسا وروحا وعلما وعملا، وما هو في المشارق والمغارب إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام) كما أشير إليه بقوله: * (وأنفسنا) * (1) فكان هو الخليفة بالحق ظاهرا وباطنا، شيد به الله هذا الدين، أظهره بالسيف وعصمه من الجور، فحكم بالعدل الذي هو حكم الحق في النوازل، فهو مع الحق والحق يدور معه حيثما دار. فالذين خرجوا عليه وادعوا خلافه فقد عصوا الله وكفروا به بلا مرية وهم لا يشعرون.