ثم قال (قدس سره): ثم إن الإمام الحق في كل عصر يجب أن يكون واحدا، وإلا يلزم تجويز حقية النقيضين على تقدير اختلافهم، وهو ممتنع. وإذا لم يكن الإمام عبارة عن السلطان ومن يقتدى به في الصلاة ثبت أن له معنى آخر يخصص به عمن يصدق عليه هذا اللفظ بحسب اللغة، وليس للرعية سبيل إلى معرفته، فيجب بيانه وتعيينه على النبي، وتأخير البيان عن محل الحاجة قبيح، والنبي منزه عنه، فثبت أنه نص على علي (عليه السلام)، إذ لم يدع أحد ادعاء نصه على غيره، فثبت المطلوب.
أقول: المقدمة الأولى مستدركة، وكان المناسب أن يقول بعد إبطال إمامة أبي بكر: ثم إن خلو الزمان عن الإمام باطل بإجماع الفريقين، فإذا لم يكن عبارة عن السلطان... إلى آخر ما ذكره.
على أنه يرد عليه أيضا أنهم فسروا الإمامة برئاسة عامة في أمر الدين والدنيا خلافة عن النبي، فهم لا يجوزون تعدد الإمام - حقا كان أو باطلا - في عصر من الأعصار ليحتاج في نفيه إلى دليل وفي إبطاله إلى حجة. ومنه يعلم أن للإمام معنى آخر غير متعارف اللغة، فهو أيضا من المسلمات عندهم.
وأما أنه ليس للرعية سبيل إلى معرفته فهو أول المسألة في حيز المنع، لأن إجماع الأمة على أمر دليل على حقيته، وهو سبيل المؤمنين المشار إليه في القرآن (1).
ولعله حاول أن يشير إلى وجوب عصمته، وأنها من الأمور الخفية التي لا يعلمها إلا عالم السرائر والضمائر، فيجب أن يكون منصوصا كما هو المشهور عندنا، وإن لم يكن مسلما عند خصومنا، وإلا فبعد إثبات وجوب عصمته كما قدمناه (2) أو تسليمه لا حاجة في نفي إمامة أبي بكر وإمامة علي (عليه السلام) إلى تلك التطويلات الركيكة، بل يكفي مجرد أن يقال: إن الإمام بعد النبي: إما علي (عليه السلام) أو أبو بكر، والثاني باطل لعدم عصمته إجماعا، فثبت عصمة علي (عليه السلام)، وإلا لزم