وهذا بخلاف صاحب الحق، فإنه لم يشرك بالله طرفة عين، وأخلاقه الفاضلة وشيمه الكاملة موصوفة كما يشهد به التتبع، مع تطرق الدروس إلى كثير ما ورد فيه، لمعارضته الدول المخالفة ومباينته الفرق المنافية، لأن أحباءه كتموا فضائله خوفا وفرقا، وأعداءه كتموها بغيا وحسدا، ولله الحمد أن ظهر ما بين الكتمين ما ملأ الخافقين، وشجاعته بالغة حد التواتر كما اعترف به الفريقان، وضرباته يوم الخندق والخيبر وغيرهما مشهورة، و " لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار " (1) معروفة.
روى الجمهور كافة: " أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما حاصر خيبر بضعا وعشرين ليلة وكانت الراية لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فلحقه رمد أعجزه عن الحرب والخروج من حيث يتعرض للحرب، فدعا النبي (صلى الله عليه وآله) أبا بكر فقال له: خذ الراية، فأخذها في جمع من المهاجرين، فاجتهد ولم يغن شيئا ورجع منهزما، فلما كان من الغد تعرض لها عمر، فصار غير بعيد ثم رجع يجبن أصحابه، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): جيئوني بعلي، فقيل: إنه أرمد العين، فقال: أرونيه تروني رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله ليس بفرار، فجاءوا بعلي (عليه السلام) فتفل في يده ومسحها على عينيه ورأسه، فبرئ وأعطاه الراية، ففتح على يديه وقتل مرحبا " (2).
وفيه من إظهار فضله وحط منزلة الآخرين، فإن تأمله عاقل يعرفه، وفي ذلك يقول حسان بن ثابت:
وكان علي أرمد العين يبتغي * دواء فلما لم يحس مداويا شفاه رسول الله منه بتفلة * فبورك مرقيا وبورك راقيا وقال سأعطي راية القوم فارسا * كميا شجاعا في الحروب محاميا يحب إلها والإله يحبه * به يفتح الله الحصون الأوابيا فخص بها دون البرية كلهم * عليا وسماه الولي المؤاخيا