وأبي ذر والمقداد وعمار وحذيفة بن اليمان وأبي بريدة الأسلمي وأبي بن كعب وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين وأبي الهيثم بن التيهان وسهل بن حنيف وأخيه عثمان وأبو أيوب الأنصاري وجابر بن عبد الله الأنصاري، وكخالد بن سعيد وسعد ابن عبادة وقيس بن سعد وغيرهم، فأشهر من أن يحتاج إلى البيان أو يمكن أن ينكره الانسان، وقد ذكر ابن قتيبة في كتابه ثمانية عشر رجلا منهم، قال: وكانوا رافضية، وأخذ من بعضهم البيعة بالوعيد والتهديد ولو بعد حين، وقد أصر بعضهم على إنكارهم وبقوا عليه إلى يوم الدين (1).
وأما العقل، فإن أراد به الشيطنة والنكراء فكان موجودا فيهم كما في سائر أفراد الملوك المتغلبة كمعاوية وابنه، ولكنه مما لا مدخل له في تدبير المدينة العادلة على وجه يؤدي إلى إصلاح المعاش والمعاد، بل هو من مقولة دفع الفساد بالأفسد. وإن أراد به غير ذلك مما له مدخل في السياسة والرئاسة النبوية وما تقتضيه الحكمة الإلهية فما كان ذلك فيهم موجودا أصلا، كيف وهم قد أشركوا بالله سنين وشهورا وأياما ودهورا، ولم يكن فيهم من العقل ما يثبتون به التوحيد مع فطريته وبداهته، بل لم يتنبهوا به أصلا، وبعد ما نبهوا عليه طلبوا دليلا عليه ومعجزة ؟! فكان عقولهم واستعدادهم نفسا دون عقول أوساط الحكماء واستعداد نفوسهم كإفلاطون الإلهي وأرسطا طاليس وغيرهما، فإنهم قد أثبتوا التوحيد بمحض عقلهم ولم يشركوا بالله، بل قتل بعضهم بمنعه عن الشرك.
فإذا كان عقلهم هذا، واستعداد نفوسهم في هذه المرتبة، فكيف يستحقون مرتبة الرئاسة النبوية والخلافة الإلهية؟! ومتى يسوغ لأهل السابقة تصحيح علانيتهم عند الجمهور بأنهم أصيل العقل شريف الأخلاق من الشجاعة والعفة وهم من أجبن الناس نفسا، وقد فروا ولم يكروا في كثير من الغزوات والمصارعات، وباءوا بغضب من الله، ولشهرتها وظهورها لا حاجة لنا إلى شرحها.