الاستخلاف بالنص الذي لا يؤدي إلى تشتت الشمل وتفرق الكلمة كما يؤدي إليه تركه، فإن تركه يشوش فيما بين أيديهم الدين، ويوقعهم في تنازع، فينصرفوا إلى المباحثات والمقايسات التي تصدهم عن أعمالهم المدنية، وربما أوقعهم في آراء مخالفة لإصلاح المدينة ومنافية لواجب الحق، فيكثر فيهم الشكوك والشبهات، فيصعب الأمر على السائس في ضبطهم من حيث إنه خليفة؟!
ثم كيف يجب على هذا السان أن يفرض طاعة خليفته، وأن يحكم في سنته أن من خرج فادعى خلافته بفضل قوة أو مال فعلى الكافة من أهل المدينة قتله وقتاله وذلك لينصروا به خليفته، ولا خليفة له من جهته؟! بل كيف يجب عليه أن يرتب المدينة على أجزاء ثلاثة: المدبرون والصناع والحفظة، ويرتب في كل صنف منهم رئيسا يرتب تحته رؤساء يلونه، ويرتب تحتهم رؤساء يلونهم إلى أن ينتهي إلى إفناء الناس، فلا يكون في المدينة إنسان معطل ليس له مقام محدود، ولا يجب عليه أن ينص على من يخلفه ويجعله رئيسا على المدينة وحافظا على سنته وشريعته التي هي أسباب وجودهم، وبه ينتظم أسباب معاشهم ومصالح معادهم؟!
أو كيف يتصدى لعقد البيت والنكاح والسنن الكلية والجزئية حتى آداب الخلوة والخلاء، ويترك هذه السنة السنية التي لا بد منها في قوام أمر المعاش والمعاد، وعليها يتوقف نظام كل ما يجب أن يسنه من عند الله؟!
أو كيف يجب عليه أن يقدر لأهل الآفات والعاهات موضعا يكون فيه أمثالهم، وأن يجعل عليهم قيما ينتظم به أمورهم، كل ذلك في حياته، ولا يجب عليه أن يجعل لأهل المدينة ومن والاهم من رعيته وأمته قيما ينتظم به معاشهم ومعادهم؟!
والعجب من ابن سينا - لولا تقيته كما هو الظاهر من سياق كلامه في هذا الفصل، حيث جمع بين المذهبين مع إيماء لطيف إلى تفضيل مذهب الشيعة وترجيحه - أنه بعد ما نص بذلك كله، كيف جوز أن يكون ذلك بإجماع من أهل