العلماء، أي: حجاب ربي نور يمنع من رؤيته، مع أنه لا حجاب له لكونه في أعلى مراتب التجرد، والحجاب من لواحق الماديات لا من عوارض المجردات، وإنما احتجب لشدة ظهوره، فإن الشئ إذا جاوز حده انعكس ضده، وهذا معنى ما قيل:
إن الله احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار، وذلك لأنه معقول بذاته غير محتاج إلى عمل يعمل به ليصير معقولا، فإن لم يعقل ولن يعقل أبدا كان من جهة العاقل لا من جهته.
ولا يذهب عليك أن تقريره هذا يفيد أن رؤيته تعالى ممكنة بالذات وممتنعة بالغير، وهذا لا يستقيم إلا على مذهب من ذهب إلى كونه تعالى جسما أو ما يستلزمه كالمجسمة الغير المبلكفة والمشبهة والأشاعرة ومن يحذو حذوهم، فالحق في تقريره على تقدير صحة السند وكونه من كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما قررناه من أن المراد أنه تعالى نور مجرد غير ممكن إدراكه بالبصر كما أخبر بذلك عن نفسه بقوله: * (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) * (1) هذا.
ولو جعل المضارع للحال، وحمل الرؤية على الرؤية بالقلب تلقيا للمخاطب بغير ما يترقبه، بحمل كلامه على خلاف مرامه تنبيها على أنه الأولى بالقصد والإرادة، كما في قول علي (عليه السلام) وقد سئل هل رأيت ربك؟: " لم أعبد ربا لم أره " (2) لجاز أن يقرأ " إني " بكسر المشددة على هيأة حرف التأكيد. ونوراني كرباني بزيادة الألف والنون مع الياء المشددة للمبالغة، أي: ربي نور ظاهر بنفسه مظهر لغيره، إني أراه الآن كما كنت رأيته قبل ذلك الزمان. ولعله لذلك عدل عن مقتضى الظاهر، حيث لم يقل: إني رأيته، بل قال: إني أراه.
ومن هذا الباب قول الصادق (عليه السلام) حينما سئل عن الله جل وعز هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟: " نعم قد رأوه قبل يوم القيامة، فقيل: ومتى؟ قال: حين قال لهم: * (ألست بربكم قالوا بلى) * ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في