الاختلافات ثابتة فيهم دائما، فمن كان منهم في الجاهلية خيرا جوادا فطنا حليما عليما إلى غير ذلك من الصفات والمهلكات النفسانية كان في الإسلام كذلك، ومن كان فيها متصفا بأضدادها ومقابلاتها كان فيه كذلك، إذ الإسلام لا يجعل الفطن مثلا غبيا وبالعكس.
والغرض هو الإشارة إلى اختلاف مراتب الناس في معرفة طريق الحق والتوفيق للإيمان، فإن القلب المستعد لقبول الحق يكفيه أدنى تنبيه، والقلب المطبوع على الباطل لا تنجع فيه دعوة داع، بل يضره وتصير سببا لمزيد رسوخه فيما هو فيه * (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون) * (1).
فقوله: " الناس معادن " تشبيه بليغ حذف فيه الأداة، وقوله: " كمعادن الذهب " إما خبر محذوف أو استئناف، وإضافتها إليه لامية، وكذا إلى الفضة، وهي عطف على الذهب ومشبه به كهو، فكما أن الاختلاف بين معادن كل من الذهب والفضة اختلافات صنفي أو شخصي كذلك الاختلاف بين الناس، ففيه دلالة على كون النفوس البشرية متحدة بالنوع ومختلفة بالشخص، لا على كونها متحدة بالجنس ومختلفة بالنوع كما فهمه منه القوشجي في الشرح الجديد على التجريد تبعا للآخرين. ولعلهم اعتبروا أولا عطف الفضة على الذهب، ثم جعلوا مجموعهما مدخول حرف التشبيه ومشبها به، كما في قوله:
وما الناس إلا كالديار وأهلها * بها يوم حلوها وغدوا بلاقع فكما أن معادن الذهب والفضة مختلفة بالمهية والنوع فكذلك الناس معادن يختلف كل منها بالمهية والنوع.
وفيه نظر، لأن ذلك إنما يعتبر فيما إذا لم يكن التشبيه تماما بدون اعتبار