وفتحت له الأمصار، القريبة والبعيدة: وأطاعه القاصي، والداني، أقبل يتجنى لي الذنوب ويسمع في السعايات؟ قولوا له عني:
إن ثبات تلك القلنسوة معذوق بهذه الدواة وإن انفاقهما رباط كل رغيبة وسبب كل غنيمة، ومتى أطبقت هذه زالت تلك، فإن عزم على تغيير فليتزود للاحتياط قبل وقوعه، وليأخذ الحذر من الحادث أمام طروقه، وأطال فيما هذا سبيله، ثم قال لهم:
قولوا للسلطان عني: مهما أردتم، فقد أهمني ما لحقني من توبيخه، وفت في عضدي.
فلما خرجوا من عنده اتفقوا على كتمان ما جرى عن السلطان، وأن يقولوا له ما مضمونه العبودية 7 والتنصل، ومضوا إلى منازلهم، وكان الليل قد انتصف، ومضى يلبرد إلى السلطان فأعلمه ما جرى، وبكر الجماعة إلى السلطان، وهو ينتظرهم، فقالوا له من الاعتذار والعبودية ما كانوا اتفقوا عليه.
فقال لهم السلطان:
إنه لم يقل هذا، وإنما قال كيت وكيت، فأشاروا حينئذ بكتمان ذلك رعاية لحق نظام الملك وسابقته، فوقع التدبير عليه، حتى تم عليه من القتل ما تم.
ومات السلطان بعده بخمسة وثلاثين يوما، وانحلت الدولة، ووقع السيف، وكان قول نظام الملك شبه الكرامة له، وأكثر الشعراء مراثيه، فمن جيد ما قيل فيه قول شبل الدولة مقاتل بن عطية:
كان الوزير نظام الملك لؤلؤة * نفيسة صاغها الرحمن من شرف عزت فلم تعرف الأيام قيمتها * فردها غيرة منه إلى الصدف