ثلاثة، وهي: الاتساع، والتوكيد، والتشبيه، فإن عدمت الثلاثة تعينت الحقيقة، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم [في الفرس] (1) " هو بحر "، فالمعاني الثلاثة موجودة فيه، أما الاتساع فلأنه زاد في أسماء الفرس التي هي فرس وطرف وجواد، ونحوها البحر، حتى إنه إن احتيج إليه في شعر أو سجع أم اتساع استعمل استعمال بقية تلك الأسماء، لكن لا يفضى إلى ذلك إلا بقرينة تسقط الشبهة، وذلك كأن يقول الشاعر:
علوت مطا جوادك يوم يوم * وقد ثمد الجياد فكان بحرا (2) وكأن يقول الساجع: فرسك هذا إذا سما بغرته كان فجرا، وإذا جرى إلى غايته كان بحرا (3)، فإن عري عن دليل، فلا، لئلا يكون إلباسا وإلغازا (3)، وأما التشبيه فلأن جريه يجري في الكثرة مثل [مجرى] (1) مائه، وأما التوكيد فلأنه شبه العرض بالجوهر، وهو أثبت في النفوس منه. قال شيخنا: وهو كلام ظاهر إلا أن كلامه في التوكيد وأنه شبه العرض بالجوهر لا يخلو عن نظر ظاهر، وتناقض في الكلام غير خفي. وقال الإمام الخطابي: قال نفطويه: إنما شبه الفرس بالبحر، لأنه أراد أن جريه كجري ماء البحر، أو لأنه يسبح في جريه كالبحر إذا ماج فعلا بعض مائه على بعض.
والبحر: الريف (4)، وبه فسر أبو علي قوله عز وجل: (ظهر الفساد في البر والبحر) (5)، لأن البحر الذي هو الماء لا يظهر فيه فساد ولا صلاح. وقال الأزهري: معنى هذه الآية: أجدب البر، وانقطعت مادة البحر، بذنوبهم كان ذلك، ليذوقوا الشدة بذنوبهم في العاجل. وقال الزجاج: معناه ظهر الجدب في البر والقحط في مدن البحر التي على الأنهار، وقول بعض الأغفال:
وأدمت خبزي من صيير * من صير مصرين أبو البحير قال: يجوز أن يعنى بالبحير البحر الذي هو الريف، فصغره للوزن وإقامة القافية، ويجوز أن يكون قصد البحيرة فرخم اضطرارا.
والبحر: عمق الرحم وقعرها، ومنه قيل للدم الخالص الحمرة: باحر وبحراني، وسيأتي.
والبحر في كلام العرب: الشق، ويقال: إنما سمي البحر بحرا لأنه شق لمائه في الأرض شقا، وجعل ذلك الشق لمائه قرارا، وفي حديث عبد المطلب: " وحفر زمزم ثم بحرها بحرا "، أي شقها ووسعها حتى لا تنزف (6).
ومنه البحر: شق الأذن. قال ابن سيده: بحر الناقة والشاة يبحرها بحرا: شق أذنها بنصفين (7)، وقيل بنصفين طولا.
ومنه البحيرة، كسفينة، كانوا إذا نتجت الناقة أو الشاة عشرة أبطن بحروها فلا ينتفع منها بلبن ولا ظهر، وتركوها ترعى وترد الماء، وحرموا لحمها إذا ماتت على نسائهم وأكلها الرجال، فنهى الله تعالى عن ذلك، فقال: (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) (8).
أو البحيرة هي التي خليت بلا راع.
أو هي التي إذا نتجت خمسة أبطن، والخامس ذكر نحروه فأكله الرجال والنساء، وإن كان الخامس - وفي بعض النسخ: كانت - أنثى بحروا أذنها، أي شقوها - وفي بعض النسخ: نحروا، بالنون، أي خرقوا - فكان حراما عليهم لحمها ولبنها وركوبها، فإذا ماتت حلت للنساء، وهذا الأخير من الأقوال حكاه الأزهري عن ابن عرفه أو هي ابنة السائبة، وقد فسرت السائبة في محلها، وهذا قول الفراء. وقال الجوهري: وحكمها حكم أمها، أي حرم منها ما حرم من أمها.
أو هي - أي البحيرة - في الشاء خاصة إذا نتجت خمسة