اللازم، والجبر مصدر المتعدي، وهو الذي يعضده القياس.
قلت: ومثله قول اللحياني في النوادر: جير الله الدين جبرا، فجبر جبورا، ولكنه تبع ابن سيده فيما أورده من نص عبارته على عادته، وقد سمع الجبور أيضا في المتعدي، كما سمع الجبر في اللازم، ثم قال شيخنا: وظاهر قوله: جبرت العظم والفقير، إلخ، انه حقيقة فيهما، والصواب أن الثاني مجاز.
قال صاحب الواعي: جبرت الفقير: أغنيته، مثل جبرته من الكسر، وقال ابن درستويه في شرح الفصيح: وأصل ذلك، أي جبر الفقير، من جبر العظم المنكسر، وهو إصلاحه وعلاجه حتى يبرأ، وهو عام في كل شيء، على التشبيه والاستعارة، فلذلك قيل: جبرت الفقير، إذا أغنيته، لأنه شبه فقره بانكسار عظمه، وغناه بجبرهن ولذلك قيل له: فقير، كأنه قد فقر ظهره، أي كسر فقاره.
قلت: وعبارة الأساس صريحة في أن يكون الجبر بمعنى الغنى حقيقة لا مجازا، فإنه قال في أول الترجمة (1): الجبر أن يغني الرجل من فقر، أو يصلح العظم من كسر، ثم قال في المجاز في آخر الترجمة: وجبرت فلانا فانجبر (2): نعشته فانتعش وسيأتي.
وقال اللبلي في شرح الفصيح: جبر من الأفعال التي سووا فيها بين اللازم والمتعدي، فجاء فيه بلفظ واحد، يقال: جبرت الشيء جبرا، وجبر هو بنفسه جبورا، ومثله صد عنه صدودا، وصددته أنا صدا.
وقال ابن الأنباري: يقال جبرت اليد تجبيرا.
وقال أبو عبيدة في فعل وأفعل: لم أسمع أحدا يقول: أجبرت عظمه. وحكى ابن طلحة أنه يقال: أجبرت العظم والفقير، بالألف. وقال أبو علي في فعلت وأفعلت يقال: جبرت العظم وأجبرته. وقال شيخنا: حكاية ابن طلحة في غاية الغرابة خلت عنها الدواوين المشهورة.
واجتبره فتجبر، وفي المحكم: جبر الرجل: أحسن إليه، أو كما قال الفارسي: جبره. أغناه بعد فقر، قال: وهذه أليق العبارتين، فاستجبر واجتبر.
وقال أبو الهيثم: جبرت فاقة الرجل، إذا أغنيته.
وفي التهذيب: واجتبر العظم مثل انجبر، يقال: جبر الله فلانا فاجتبر، أي سد مفاقره، قال عمرو بن كلثوم:
من عال منا بعدها فلا اجتبر * ولا سقى الماء ولا راء الشجر معنى عال: جار ومال.
وجبره على الأمر يجبره جبرا وجبورا: كأجبره، فهو مجبر، الأخيرة أعلى، وعليها اقتصر الجوهري كصاحب الفصيح، حكاهما أبو علي في فعلت وأفعلت، وكذلك ابن درستويه والخطابي وصاحب الواعي. وقال اللحياني: جبره لغة تميم وحدها، قال: وعامة العرب يقولون: أجبره. وقال الأزهري: وجبره لغة معروفة (3)، وكان الشافعي يقول: جبر (4) السلطان، وهو حجازي فصيح، فهما لغتان جيدتان: جبرته وأجبرته غير أن النحويين استحبوا أن يجعلوا جبرت لجبر العظم بعد كسره، وجبر الفقير بعد فاقته، وأن يكون الإجبار مقصورا على الإكراه، ولذلك جعل الفراء الجبار من أجبرت لا من جبرت، كما سيأتي.
وفي البصائر: والإجبار في الأصل: حمل الغير على أن يجبر الأمر، لكن تعورف في الإكراه المجرد، فقوله: أجبرته على كذا، كقولك: أكرهته.
وتجبر الرجل، إذا تكبر.
وتجبر النبت والشجر: اخضر وأورق، وظهرت فيه المشرة وهو يابس، وأنشد اللحياني لامرئ القيس:
ويأكلن من قو لعاعا وربة * تجبر بعد الأكل فهو نميص قو: موضع، واللعاع: الرقيق من النبات في أول ما ينبت، والربة: ضرب من النبات، والنميص: النبات حين طلع ورقه. وقيل: معنى هذا البيت أنه عاد نابتا مخضرا بعد ما كان رعي، يعني الروض.