قلت: والذي في الأساس: وكأن غروب أسنانها وميض البرق، أي ماؤها وظلمها.
وفي التهذيب والنهاية والمحكم ولسان العرب: وغروب الأسنان: مناقع ريقها، وقيل: أطرافها وحدتها وماؤها. قال عنترة:
إذ تستبيك بذي غروب واضح * عذب مقبله لذيذ المطعم وغروب الأسنان: الماء الذي يجري عليها، الواحد غرب، وغروب الثنايا حدها (1) وأشرها. وفي حديث النابغة: ترف غروبه هي جمع غرب وهو ماء الفم وحدة الأسنان، فيستدرك عليهم الغرب بمعنى السن. والمعاني الثلاثة التي استدركناها، فصار المجموع ثمانية وعشرين معنى، وإذا قلنا: مؤخر العين المفهوم من قوله والغربان فهي تسعة وعشرون. ويزاد عليه أيضا الغروب: جمع غرب، وهي الوهدة المنخفضة. ولله در الخليل ابن أحمد حيث يقول:
يا ويح قلبي من دواعي الهوى * إذ رحل الجيران عند الغروب أتبعتهم طرفي وقد أزمعوا * ودمع عيني كفيض الغروب بانوا وفيهم طفلة حرة * تفتر عن مثل أقاحي الغروب الأول غروب الشمس. والثاني: الدلاء العظيمة. والثالث: الوهدة المنخفضة.
فكمل بذلك ثلاثون. ثم إني وجدت في شرح البديعية لبديع زمانه علي بن تاج الدين القلعي المكي رحمه الله تعالى قال ما نصه في سانحات دمى القصر للعلامة درويش أفندي (2) الطالوي رحمه الله: كتب إلي الأخ الفاضل داوود بن عبيد خليفة نزيل دمشق عن بعض المدارس في لفظ مشترك الغرب طالبا مني أن أنسج على منوالها وأحذو على أمثالها وهي:
لقد ضاء وجه الكون وانسل غربه * فلم يدر أيما شرقه ثم غربه وسائل وصل منه لما رأى الجفا * بما قد جرى من بعده سال غربه يمر عليه الحتف في كل ساعة * ولكن بحجب السقم يمنع غربه تدلى إليه عندما لاح فقده * بثغر شنيب قد روى الغل غربه فكتبت إليه هذه الأبيات العربية التي هي لا شرقية ولا غربية، وهي:
أمن رسم دار كاد يشجيك غربه * نزحت ركي الدمع إذ سال غربه : عرق الجبين.
عفا آية نشر الجنوب مع الصبا * وكل هزيم الودق قد سال غربه : الدلو.
به النوء عفى سطره فكأنه * هلال خلا الدار يجلوه غربه : محل الغروب.
وقفت به صحبي أسائل رسمه * على مثلها والجفن يذرف غربه : الدمع.
على طلل يحكي وقوفا برسمه * بحاجة صب طال بالدار غربه (3) : التمادي.
أقول وقد أرسى العنا بعراصه * وأترف أهليه البعاد وغربه