زيد أحسن من عمرو، واما تقديرا، كما في قول علي رضي الله عنه: (لأن أصوم يوما من شعبان، أحب إلى من أن أفطر يوما من رمضان)، لأن إفطار يوم الشك الذي يمكن أن يكون من رمضان محبوب عند المخالف، فقدره علي رضي الله عنه محبوبا إلى نفسه أيضا، ثم فضل صوم يوم من شعبان عليه فكأنه قال: هب أنه محبوب عندي أيضا، أليس صوم يوم من شعبان أحب منه، وقال رضي الله عنه: (اللهم أبدلني بهم خيرا منهم) 1، أي في اعتقادهم لا في نفس الأمر فإنه ليس فيهم خير، (وأبدلهم بي شرا مني)، أي في اعتقادهم أيضا، وإلا فلم يكن فيه، كرم الله وجهه، شر، ومثله قوله تعالى: (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا) 2، كأنهم 3 لما اختاروا موجب النار، اختاروا النار، ويقال في التهكم: أنت أعلم من الحمار، فكأنك قلت: إن أمكن أن يكون للحمار علم، فأنت مثله مع زيادة، وليس المقصود بيان الزيادة، بل الغرض: التشريك بينهما في شئ معلوم انتفاؤه عن الحمار، وأما نحو قولهم: أنا أكبر من الشعر، وأنت أعظم من أن تقول كذا، فليس المقصود تفضيل المتكلم على الشعر، والمخاطب على القول، بل المراد: بعدهما عن الشعر والقول، وأفعل التفضيل يفيد بعد الفاضل من المفضول وتجاوزه عنه، فمن في مثله ليست تفضيلية بل هي مثل ما في 4 قولك: بنت من زيد، وانفصلت منه، تعلقت بأفعل المستعمل بمعنى متجاوز، وبائن، بلا تفضيل، فمعنى قولك أنت أعز علي من أن أضربك، أي بائن من أن أضربك من فرط عزتك علي، وإنما جاز ذلك، لأن (من) التفضيلية تتعلق بأفعل التفضيل بقريب من هذا المعنى، ألا ترى أنك إذا قلت: زيد أفضل من عمرو، فمعناه:
زيد متجاوز في الفضل عن مرتبة عمرو، فمن، فيما نحن فيه كالتفضيلية، إلا في معنى التفضيل: ومنه قول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، (ولهي بما تعدك من نزول البلاء