وإنما عد الأول من الأعلام دون الثاني، بدليل صرف: تمرة، وجرادة، لأنهم رأوا بعضه منقولا كالأعلام، من مدلول إلى آخر، فإن (أفعل) مثلا، وضع لغة، للزائد في الفعل على آخر، فهو، من الفعل، كأكبر من الكبر، ثم عبر به عن كل لفظ أوله همزة مزيدة مفتوحة، وثانية فاء ساكنة بعدها عين مفتوحة، بعدها لام، وبعضه مرتجلا كارتجال الأعلام، نحو قولك: فعللة التي هي مصدر الرباعي حكمها كذا، فإن (فعللة) لا معنى لها لغة، وقوى هذا الوجه المجوز لالحاقها بالأعلام: أنهم رأوها إذا عبرت بها عن موزوناتها:
لم تقع على فرد مشاع منها، كما تقع النكرات، فبعدت من النكرات لفظا ومعنى، فإن قلت: فلم جعلوا هذه الكنايات من قسم الأعلام، دون الأوزان التي يكنى بها عن موزوناتها مع اعتبار معنى الموزونات، كما تقول: مررت برجل فاعل، أي عاقل، أو جاهل، على حسب القرينة القائمة على المعنى المراد؟
قلت: لأنها لما كانت دالة على لفظة معينة لها معنى معين، والمراد من لفظة الكناية ذلك المعنى بتوسط اشعاره بذلك اللفظ الذي هو صريح فيه: صارت كموزوناتها دالة على المعنى الجنسي، فكأن لفظ الكناية منقول من جنس إلى جنس آخر، أو مرتجل لجنس، فلم يصلح أن يجعل علما، بخلاف الأول، فإن المراد منه: موزونه فقط من غير اعتبار المعنى الجنسي، ومن ثمة قال الخليل: لما سأله سيبويه 1 عن قولهم: كل أفعل، إذا كان صفة لا ينصرف: كيف تصرف (أفعل) وقد قلت لا ينصرف؟ فقال: أفعل ههنا ليس بوصف، وإنما زعمت أن ما كان على هذا المثال وكان وصفا: لا ينصرف، وكما أن (أفعل) في هذا الكلام، ليس بوصف: ليس بعلم أيضا، لدخول لفظ (كل) المختص بالنكرات عليه، ففي (أفعل) ههنا وزن الفعل فقط بلا وصف ولا علمية، وإن كان موزون هذه الأوزان معها، كما تقول: وزن إصبع: إفعل، فالأولى والأكثر