وتحقيق الكلام في المقام الأول: أنه على تقدير اعتبار الأخبار من باب السببية - بمعنى إفادة أدلة اعتبارها عليتها لوجوب إيقاع العمل على مقتضاها ولو لم يكن في مواردها تكليف واقعا أصلا - يكون حال الخبرين المتعارضين حال الغريقين اللذين لا يتمكن المكلف من إنقاذهما، بل المقدور له إنقاذ أحدهما، فيدور أمره بين إنقاذ هذا، أو ذاك، فيكونان من مقولة الواجبين النفسيين المتزاحمين، فلهما حكمهما.
وعلى تقدير اعتبارها من باب الطريقية - بمعنى جعلها مرآة للأحكام الواقعية وطرقا إلى امتثال تلك الأحكام من دون تعلق غرض لوقوع العمل على طبقها من حيث أنه عمل على طبقها سوى ذلك - يكونان من مقولة الطريقين المتنافيين، فلهما حكمهما، وهذا واضح لا غبار عليه بوجه.
والشأن إذن في تأسيس الأصل في مطلق الواجبين النفسيين المتزاحمين وفي مطلق الطريقين المتنافيين.
فاعلم أن مقتضى الأصل في كل واجبين نفسيين متزاحمين - سواء كانا مندرجين في عنوان واحد، كإنقاذ الغريقين، أو إطفاء حريقين، أو مندرجين في عنوانين مختلفين، كل منهما مأمور به بأمر مستقل، كإنقاذ غريق، وإطفاء حريق - إنما هو لزوم امتثال أحدهما تخييرا إذا كانا متساويين - بمعنى عدم كون أحدهما أهم من الآخر، كما هو المفروض في المقام بحيث يستحق العقاب على مخالفة كليهما معا - وهذا الوجوب التخييري وإن لم يدل عليه الخطاب، لفرض كون مؤداه وجوب كل منهما عينا مع امتناع ثبوته لهما حينئذ، لاستلزام التكليف بغير المقدور - كما مر - كامتناع إرادة الوجوب التخييري من ذلك الخطاب بالنسبة إلى صورة التزاحم - أيضا - لاستلزامها لاستعماله في معنيين لكننا إنما نستفيده بتنقيح المناط.
وتوضيحه: أنه لا شبهة في تضمن كل من المتزاحمين حال التزاحم لما