فلما انتهيت إليها قلت: يا أم المؤمنين، ما بالك تصرخين وتغوثين؟ فلم تجبني، وأقبلت على النسوة الهاشميات وقالت: يا بنات عبد المطلب أسعدنني وأبكين معي، فقد والله قتل سيدكن وسيد شباب أهل الجنة، قد والله قتل سبط رسول الله وريحانته الحسين.
فقيل: يا أم المؤمنين، ومن أين علمت ذلك؟ قالت: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام الساعة شعثا مذعورا، فسألته عن شأنه ذلك، فقال: قتل ابني الحسين وأهل بيته اليوم فدفنتهم، والساعة فرغت من دفنهم. قالت: فقمت حتى دخلت البيت وأنا لا أكاد أن أعقل، فنظرت فإذا بتربة الحسين التي أتى بها جبرئيل من كربلاء، فقال:
إذا صارت هذه التربة دما فقد قتل ابنك؛ وأعطانيها النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: اجعلي هذه التربة في زجاجة - أو قال: في قارورة - ولتكن عندك فإذا صارت دما عبيطا فقد قتل الحسين؛ فرأيت القارورة الآن وقد صارت دما عبيطا تفور.
قال: وأخذت أم سلمة من ذلك الدم فلطخت به وجهها، وجعلت ذلك اليوم مأتما ومناحة على الحسين (عليه السلام)، فجاءت الركبان بخبره، وأنه قد قتل في ذلك اليوم.
قال عمرو بن ثابت: قال أبي: فدخلت على أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) منزله، فسألته عن هذا الحديث، وذكرت له رواية سعيد بن جبير هذا الحديث عن عبد الله ابن عباس، فقال أبو جعفر (عليه السلام): حدثنيه عمر بن أبي سلمة عن أمه أم سلمة.
قال ابن عباس: في رواية سعيد بن جبير عنه قال: فلما كانت الليلة رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامي أغبر، أشعث، فذكرت له ذلك وسألته عن شأنه، فقال لي:
ألم تعلمي أني فرغت من دفن الحسين وأصحابه.
قال عمرو بن أبي المقدام: فحدثني سدير، عن أبي جعفر (عليه السلام): إن جبرئيل جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) بالتربة التي يقتل عليها الحسين (عليه السلام)، قال أبو جعفر: فهي عندنا (1).