والمأكل الجشب البسيط وحسب، بل إن حدوده تمتد إلى أبعد من ذلك، فالزاهد من لا يسمح لمتع الدنيا أن تتحكم في نفسه من دون أن يكون له قوة السيطرة عليها، والذي لا تمثل الدنيا عنده غاية يسعى إليها، فإن هي أقبلت فللمؤمن أن يتمتع بطيباتها، وإن هي أدبرت فما عند الله أبقى.
قال الآبي في (نثر الدر): دخل على الرضا بخراسان قوم من الصوفية، فقالوا له: إن أمير المؤمنين نظر فيما ولاه تعالى من الأمر، فرآكم أهل البيت أولى الناس بأن تقوموا الناس، ونظر فيكم أهل البيت فرآك أولى الناس بالناس، فرأى أن يرد هذا الأمر إليك، والأمة تحتاج إلى من يلبس الخشن، ويأكل الجشب، ويركب الحمار، ويعود المريض.
قال: وكان الرضا متكئا، فاستوى جالسا، ثم قال: كان يوسف (عليه السلام) نبيا يلبس أقبية الديباج المزررة بالذهب، ويجلس على متكئات آل فرعون، ويحكم، إنما يراد من الإمام قسطه وعدله، إذا قال صدق، وإذا حكم عدل، وإذا وعد أنجز، إن الله لم يحرم ملبوسا ولا مطعما، وتلا قوله تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) (1).
وقيل للإمام الجواد (عليه السلام): ما تقول في المسك؟ فقال (عليه السلام): إن أبي أمر فعمل له مسك في بان بسبعمائة درهم، فكتب له الفضل بن سهل يخبره: إن الناس يعيبون ذلك. فكتب إليه: يا فضل، أما علمت أن يوسف وهو نبي، كان يلبس الديباج مزررا بالذهب، ويجلس على كراسي الذهب، فلم ينقص ذلك من حكمته شيئا.