الفقهاء، لأبين نقصه بحضرتهم، فيكون أخذا له عن محله الذي أحللته فيه، على علم منهم بصواب فعلك.
قال: فجمع الخلق الفضلاء من رعيته في مجلس واحد واسع قعد لهم فيه، وأقعد الرضا (عليه السلام) بين يديه في مرتبته التي جعلها له، فانتدب هذا الحاجب المتضمن للوضع من الرضا (عليه السلام) وقال: إن الناس قد أخبروا عنك الحكايات، وأسرفوا في وصفك، بما أرى أنك إن وقفت عليه برئت إلى الله منه.
فأول ذلك أنك دعوت الله تعالى في المطر المعتاد مجيئه، فجعلوا ذلك معجزة، أوجبوا لك بها آية، وأنه لا نظير لك في الدنيا، وهذا أمير المؤمنين - أدام الله تعالى مملكته - لا يوازن بأحد إلا رجح عليه، وقد أحلك المحل الذي قد عرفت، وليس من حقه عليك أن تسوغ الكذابين لك وعليه ما يكذبونه.
فقال الرضا (عليه السلام): ما أدفع عباد الله عن التحدث بنعم الله علي، وأما ذكرك صاحبك الذي أحلني ما أحلني، فما أحلني إلا المحل الذي أحله ملك مصر يوسف الصديق (عليه السلام)، فكان حالهما ما قد عرفت.
فغضب الحاجب عند ذلك وقال: يا علي بن موسى، لقد عدوت طورك، وتجاوزت قدرك، أن بعث الله بمطر مقدور في وقته، لا يتقدم ولا يتأخر؛ جعلته آية تستطيل بها، وصولة تصول بها، كأنك جئت بمثل آية إبراهيم الخليل (عليه السلام) لما أخذ رؤوس الطير بيده، ودعا أعضاءها التي كان فرقها على الجبال، فأتينه سعيا، ونزلن على الرؤوس، وخفقن وطرن بإذن الله تعالى، فإن كنت صادقا فيما تزعم فأحيي هذين السبعين، وسلطهما علي، فإن ذلك حينئذ يكون آية معجزة، فأما المطر المعتاد، فلست أنت أحق بأن يكون قد جاء بدعائك دون دعاء غيرك الذي دعا كما دعوت.