ضمائرهم، وتنقض من مرائرهم (1)، حتى تصير البدعة التي أحدثوها غامرة للسنة التي كانوا يعرفونها.
ولقد كان الحجاج ومن ولاه كعبد الملك والوليد ومن كان قبلهما وبعدهما من فراعنة بني أمية على إخفاء محاسن علي (عليه السلام) وفضائله وفضائل ولده وشيعته وإسقاط أقدارهم؛ أحرص منهم على إسقاط قراءة عبد الله وأبي؛ لأن تلك القراءات لا تكون سببا لزوال ملكهم وفساد أمرهم وانكشاف حالهم، وفي اشتهار فضل علي (عليه السلام) وولده وإظهار محاسنهم بوارهم، وتسليط حكم الكتاب المنبوذ عليهم، فحرصوا واجتهدوا في إخفاء فضائله، وحملوا الناس على كتمانها وسترها، وأبى الله أن يزيد أمره وأمر ولده إلا استنارة وإشراقا، وحبهم إلا شغفا وشدة، وذكرهم إلا انتشارا وكثرة، وحجتهم إلا وضوحا وقوة، وفضلهم إلا ظهورا، وشأنهم إلا علوا، وأقدارهم إلا إعظاما، حتى أصبحوا بإهانتهم إياهم أعزاء، وبإماتتهم ذكرهم أحياء، وما أرادوا به وبهم من الشر تحول خيرا.
فانتهى إلينا من ذكر فضائله وخصائصه ومزاياه وسوابقه، ما لم يتقدمه السابقون، ولا ساواه فيه القاصدون، ولا يلحقه الطالبون، ولولا أنها كانت كالقبلة المنصوبة في الشهرة، وكالسنن المحفوظة في الكثرة؛ لم يصل إلينا منها في دهرنا حرف واحد إذا كان الأمر كما وصفناه (2).