الأمة في أهم الفترات الحاسمة من تاريخها حينما كتب النصر للامام، وباء معاوية بالهزيمة والفشل، بحيث لم يبق من حياته إلا فترة يسيرة من الزمن قدرها قائد القوات العسكرية في جيش الامام مالك الأشتر، بحلبة شاة أو بعدوة فرس، فأضاعوا ذلك النصر الكبير وأرغموا الامام على قبول التحكيم دعاء الامام على نفسه:
وطاقت بالامام موجات رهيبة ومذهلة من الاحداث والأزمات فهو يرى باطل معاوية قد استحكم، وأمره قد تم، ويرى نفسه في أرباض الكوفة قد احتوشته ذئاب العرب الذين كرهوا عدله، ونقموا عليه مساواته وعملوا جاهدين على الحيلولة بينه وبين تحقيق آماله من القضاء على الأثرة والاستعلاء والطغيان.
والشئ الوحيد الذي أقض مضجع الامام هو تمزق جيشه، وتفلل جميع وحداته، فقد أصبح بمعزل عن جميع السلطات، وقد نظر (ع) إلى المصير المؤلم الذي سيلاقونه من بعده فقال:
" أما انكم ستلقون بعدي ذلا شاملا، سيفا قاطعا، وأثرة يتخذها الظالمون فيكم سنة، فيفرق جماعتكم، ويبكي عيونكم، يدخل الفقر بيوتكم وتتمنون عن قليل انكم رأيتموني فنصرتموني، فستعلمون حق ما أقول لكم، ولا يبعد الله إلا من ظلم وأثم... " (1).
ولم يجد نصح الامام معهم شيئا فقد تمادوا في الغي، وعادت لهم جاهليتهم الرعناء.
وقد سئم الامام منهم وراح يتمنى مفارقة حياته فكان كثيرا ما يقول