خطاب العرش:
واتجه يزيد نحو منصة الخطابة ليعلن للناس سياسته، ومخططات حكومته، فلما استوى عليها ارتج عليه، ولم يطق الكلام، فقام إليه الضحاك بن قيس، فصاح به يزيد ما جاء بك؟ قال له الضحاك: كلم الناس وخذ عليهم، فأمره بالجلوس (1)، وانبرى خطيبا فقال:
" الحمد لله الذي ما شاء صنع، ومن شاء منع، ومن شاء خفض ومن شاء رفع ان أمير المؤمنين - يعني معاوية - كان حبلا من حبال الله مده، ما شاء أن يمده، ثم قطعه حين أراد أن يقطعه، وكان دون من قبله، وخيرا مما يأتي بعده، ولا أزكيه عند ربه وقد صار إليه، فان يعف عنه فبرحمته وإن يعاقبه فبذنبه، وقد وليت بعده الامر ولست اعتذر من جهل، ولا اتي على طلب علم، وعلى رسلكم إذا كره الله شيئا غيره وإذا أحب شيئا يسره.. " (2).
ولم يعرض يزيد في هذا الخطاب لسياسة دولته، ولم يدل باي شئ مما تحتاج إليه الأمة في مجالاتهم الاقتصادية والاجتماعية، ومن المقطوع به ان ذلك مما لم يفكر به، وانما عرض لطيشه وجبروته واستهانته بالأمة فهو لا يعتذر إليها من أي جهل يرتكبه، ولا من سيئة يقترفها، وانما على الأمة الاذعان والرضا لظلمه وبطشه.