محاطة بالقوى المكثفة من جيش معاوية يمنعونهم أشد المنع من الاستسقاء من الماء ولما رأى الامام ذلك أوفد رسله إلى معاوية يطلبون منه أن يخلي بينهم وبين الماء ليشربوا منه، فلم تسفر مباحثهم معه أي شئ، وانما وجدوا منه اصرارا على المنع يريد أن يحرمهم منه كما حرموا عثمان من الماء، وأضر الظما بأصحاب الامام، وانبرى الأشعث بن قيس يطلب الاذن من الامام أن يفتح باب الحرب، يقهر القوى المعادية على التخلي عن الفرات فلم يجد الامام بدا من ذلك فاذن له، فاقتتل الفريقان كاشد ما يكون القتال وكتب النصر لقوات الامام فاحتلت الفرات، وأراد أصحاب الإمام أن يقابلوهم بالمثل فيحرمونهم منه، كما صنعوا ذلك معهم، ولكن الامام لم يسمح لهم بذلك، وعمل معهم عمل المحسن الكريم فخلى بينهم وبين الماء.
لقد كان اللؤم والخبث من عناصر الأمويين وذاتياتهم فقد أعادوا على صعيد كربلاء ما اقترفوه من الجريمة في صفين فحالوا بين الإمام الحسين وبين الماء وتركوا عقائل الوحي ومخدرات الرسالة، وصبية أهل البيت قد صرعهم العطش، ومزق الظما قلوبهم، فلم يستجيبوا لأية نزعة انسانية، ولم ترق قلوبهم فيعطفوا عليهم بقليل من الماء.
رسل السلام:
وكان الامام متحرجا كاشد ما يكون التحرج في سفك دماء المسلمين فقد جهد على نشر السلام والوئام فأوقد إلى معاوية عدي بن حائم، وشبث ابن ربعي، ويزيد بن قيس، وزياد بن حفصة يدعونه إلى حقن دماء المسلمين، ويذكرونه الدار الآخرة، ويحذرونه أن ينزل به ما نزل بأصحاب الجمل، ولكن ابن هند لم يستجب لذلك وأصر على الغي والتمرد، وقد