في خطبة: " متى يبعث أشقاها " واخذ يلح بالدعاء، ويتوسل إلى الله بقلب منيب أن يريحه منهم فقد روى البلاذري عن أبي صالح قال شهدت عليا، وقد وضع المصحف على رأسه حتى سمعت تقعقع الورق وهو يقول:
" اللهم إني سألتهم ما فيه فمنعوني ذلك، اللهم إني قد مللتهم وملوني، وأبغضتهم وأبغضوني، وحملوني على غير خلقي، وعلى أخلاق لم تكن تعرف لي، فأبدلني خيرا لي منهم، وأبدلهم بي شرا، ومث قلوبهم ميث الملح.. " (1).
واستجاب الله دعاء وليه العظيم فنقله بعد قليل إلى حضيرة القدس مع النبيين والصديقين وأراحه من ذلك المجتمع الذي كره الحق، ونقم على العدل، وقد سلط الله عليهم أرجاس البشرية فأخذوا يمنعون في ظلمهم واذلالهم، فيأخذون البرئ بالسقيم، والمقبل بالمدبر، ويقتلون على الظنة والتهمة، فاستيقظوا عند ذلك، واخذوا يندمون أشد الندم على ما اقترفوه من الاثم تجاه الامام وما فرطوا به من عصيانه وخذلانه.
هذه بعض مخلفات تلك الحروب التي امتحن بها الامام كاشد ما يكون الامتحان قسوة وارهاقا ولم يمتحن بها وحده، وانما امتحن بها العالم الاسلامي بأسره، فقد أخلدت للمسلمين المشاكل والخطوب وألقتهم في شر عظيم.
لقد واكب الإمام الحسين (ع) هذه الاحداث المفزعة التي جرت على أبيه، ووقف على واقعها، وقد استبان له كراهية القوم لأبيه لأنه لم يداهن في دينه، وأراد أن يحمل الناس على الحق المحض والعدل الخالص، ولا يدع محروما، ولا مظلوما في البلاد.
وعلى اي حال فان هذه الحروب قد ساهمت مساهمة ايجابية في خلق كارثة كربلاء التي لم تأت الا بعد انهيار الأخلاق، وإماتة الوعي الديني، والاجتماعي، وإشاعة الانتهازية والتحلل بين افراد المجتمع، فقد سيطرت