سلطانه ونفوذه على أولئك الذين نقموا عليه، ولكن ذلك لا يتم الا بان يداهن في دينه فيوارب ويخادع ويعطي المال في غير حقه، فيكون كبقية عشاق الملك والسلطان، ومن الطبيعي ان الانحراف عن الحق، والمتاجرة بمصالح الأمة مما يأباه علي وتأباه مثله العليا، فلا السلطة تغريه ولا اجتماع الناس حوله تزيده عزة، ولا تفرقهم عنه تزيده وحشة كما كان يقول.
لقد كان الامام يؤمن ايمانا خالصا بالدين، ويرى من الضرورة أن يكون هو المسيطر على قلوب الناس وتفكيرهم، وان لا يكون هناك اي ظل للمنافع والأهواء، ومما لا شك فيه ان هذا النوع الخالص من الايمان لم يتحقق الا للقلة القليلة من أصحابه كحجر بن عدي ومالك الأشتر وعدي بن حاتم وميثم التمار ونظرائهم ممن تغذوا بهديه، وهم الذين قرؤا القران فأحكموه، وتدبروا الفرض فأقاموه أحيوا السنة وأماتوا البدعة - على حد تعبيره - اما الأكثرية الساحقة من جيشه وشعبه فإنهم لم يعوا أهدافه ومبادئه، وجهلوا القيم العليا في سياسته المشرقة التي كانت تهدف إلى ضمان حقوق المظلومين والمضطهدين.
لقد تحرج الامام في سلوكه السياسي فأخضع سياسته العامة للقيم الدينية والخلقية، فبسط الحق بجميع رحابه ومفاهيمه، ولم يعد اي نفوذ للأقوياء، ولا سلطان للرأسمالية القرشية التي كانت تعتبر السواد بستانا لقريش.
وقد هبت القوى المنحرفة عن الحق في وجه الامام فأشعلت نار الحرب، وأوقفت مسيرة الامام في تطبيق العدل الاجتماعي، ووضعت السدود والحواجز في طريقه، وقد وقف الامام العظيم ملتاعا حزينا، قد احتوشته ذئاب الأثرة والاستغلال، وتناهب مشاعره الاحداث المفزعة التي تواكبت عليه، وكان من أفجعها الفتن الداخلية التي كانت تثيرها الخوارج الذين كانوا يعيشون معه وهم يجاهرونه بالعداء، وينشرون الفتن والاختلاف، ويتربصون