وليس في تاريخ هذا الشرق ولا في غيره حاكم كالامام أمير المؤمنين (ع) في عدله ونزاهته، وايثاره للحق على كل شئ، فقد كان - فيما أجمع عليه المؤرخون - لم يخضع لأية نزعة عاطفية، ولم يستجب لأي هوى مطاع، وانما سار على الطريق الواضح، والمنهج السليم الذي سلكه رسول الله (ص) فلم يحاب، ولم يداهن في دينه، وتبنى النصح الخالص لجميع المسلمين، وقد حاول جاهدا أيام حكومته ان يرفع راية الاسلام، ويحقق مبادئه التي كان منها رفع الحيف والظلم، ومنع الاستغلال، وإزالة الفوارق بين أبناء المسلمين وكان من أعظم ما عنى به وضع أموال الدولة في مواضعها فلم ينفق اي شئ منها الا على مرافقها التي عينها الاسلام، وما تاجر بها، ولو اشترى بها العواطف والضمائر - كما كان يفعل معاوية - لما تنكر عليه النفعيون في جيشه كالأشعث بن قيس وغيره من أقطاب الخيانة والعمالة.
لقد احتاط في أموال الدولة كاشد ما يكون الاحتياط، واجهد نفسه وحملها من امره رهقا من اجل أن يبسط العدل الاقتصادي بين الناس، يقول عبد الله بن رزين: دخلت على علي يوم الأضحى فقرب، إلينا حريرة، فقلت له: أصلحك الله لو قربت إلينا من هذا البط فان الله قد أكثر الخير، فقال: يا بن رزين سمعت رسول الله (ص) يقول: لا يحل لخليفة من مال الله الا قصعتان قصعة يأكلها هو وأهله، وقصعة يضعها بين يدي الناس (1) وقد نقم على سياسته كل من استسلم لدوافع المادة وشهواتها، فراحوا يعملون جاهدين للإطاحة بحكومته، وتشكيل حكومة تضمن مصالحهم الاقتصادية والسياسية.
ومن المؤكد ان الامام كان يعلم كيف يجلب له الطاعة، وكيف يبسط