والأهوال في غضون حكم الروم، فعين في عهدهم البطريرق (بنيامين) بطريرقا للديار المصرية فأذعن لسلطانه أهل البلاد قاصيها، ودانيها، فتمكن من ارجاع الكنيسة إلى حالتها القديمة، من حيث النظام والعظمة وعاش في الإسكندرية آمنا مطمئنا أثناء حكم الفرس.
غير أن حكم الفرس لم يدم في مصر أكثر من عشر سنوات، فإن قيام العرب بعد أن جمع الإسلام كلمتهم، حرم الدولة الفارسية من خيرة جنودها، وهيا الفرص للروم لاسترداد بعض أقاليمهم المفقودة في الشرق، فقد سار (هرقل) مخترقا البلاد السورية إلى مصر وطرد أعداءه الفرس، فغادر البلاد معهم البطريرك بنيامين، الذي كان قد جلس على كرسيه. فعكر طمأنينة المصريين طرد الفرس من مصر وعودة الروم إليها، فعقد بنيامين مجمعا عاما للقسس والرهبان وأوصاهم بالصبر والجلد والاعتصام في الجبال، ثم هرب في كنف الليل إلى وادي النطرون (1) ومن ثم عادت مصر إلى حكم الروم وتولدت الاختلافات الدينية من جديد، فاتخذها هرقل وسيلة لإضرام نيران الحقد والانتقام التي كانت تتأجج في صدره من جراء ترحيبهم بالفرس ورضائهم حكمهم (2)، فأحل بهم هرقل صنوف الظلم والاضطهاد لقبول مذهب خلقدونية، ومن أبى عذب وضرب بالسياط حتى الموت.